حوار مع الشيخ د. عبدالرحيم البلوشي

رئيس رابطة أهل السنة في إيران

 

هل هناك عاصمة في العالم لا يوجد فيها مسجد واحد لأهل السنّة غير طهران عاصمة الشيعة, بل لا يوجد فيها لنا مقبرة, في الوقت الذي يوجد حتّى للبهائيّة مقبرة, ويوجد للنصارى في طهران وحدها أكثر من أربعين كنيسة وكذلك فإنّ جميع الأقلّيات الكافرة لها معابدها وحرّيتها النسبيّة في العبادة فكم من طالبٍ فُصل من هذه المدارس أو ضرب أو سلّط عليه الأوباش لمجرّد رفع اليدين في الصلاة أو لدفاعه عن شيخ الإسلام ابن تيمية أمَام الشيعة.تعريف بالشيخ الدكتور عبدالرحمن البلوشي هو عبدالرحمن البلوشي, تخرّج من الثانوية العلمية في إيران, ثمّ التحق بالجامعة الإسلامية في المدينة المنوّرة عام1979م وتعلّم العربيّة فيها ثمّ التحق بكلّية الدعوة وأصول الدين إلى أن وصل إلى السنة الثانية حين شملته تصفية الطلاّب الإيرانيين آنذاك فذهب إلى سوريا وأكمل دراسته هناك في كلّية الشريعة بجامعة دمشق وتخرّج منها عام1984. كما درس عند مشايخ دمشق كالشيخ عبدالقادر الأرناؤوط وآخرين غيره. والتحق بعد تخرّجه من دمشق بقسم الماجستير في كلّية الإمام الأوزاعي في بيروت وتخرّج منها عام1989 وكان موضوع أطروحته في الماجستير هو: «الشعب البلوشي وبلوشتان». ثمّ سجّل الدكتوراه في الكلية المذكورة وتخرّج عام1995, وكان موضوع أطرُوحته: «تحوّل الفكر الإسلامي في إيران من السنة إلى الشيعة خلال العهد الصفوي» الذي اقترحه في الماجستير ولم يقبل لظروف «أمنيّة!» معيّنة. ويعمل الشيخ حاليّاً في إطار رابطة أهل السنة في إيران / مكتب لندن.هل لك أن تعطينا لمحة عن تاريخ أهل السنّة في إيران ومناطق انتشارهم وعددهم؟من المعلوم تاريخيّاً إنّ إيران كانت دولة سنّية حتّى القرن العاشر الهجري. وفي الفترة التي كانت فيها على عقيدة أهل السنة والجماعة قدّمت إيران, بسبب ظروفها الاجتماعية والتاريخية والثقافية وقربها لمهبط الوحي, المئات بل الآلاف من الفقهاء والمحدّثين والمؤرّخين والمفسّرين والعلماء في كلّ فنّ وعلم, ويكفي تدليلاً على ذلك أنّ أصحاب الكتب الستّة كلّهم إيرانيّون أو من الثقافة الإيرانيّة -آنذاك-. إلى أن تشيّعت البلد, فكأنّها مُسِخت مسخاً كاملاً وأصبحت بؤرة اصطدام ومركز مؤامرات على الإسلام وأهله, ولذا قال فرديناند سفير ملك النمسا: «لولا الصفويّون في إيران لكنّا نقرأ القرآن اليوم كالجزائريين», أي لأصبحنا مسلمين, لأن الدولة الشيعية-الصفويّة -كمثيلاتها تماماً- كانت تتعاون مع الاستعمار البرتغالي والصليبيّة العالمية لوقف المدّ الإسلامي في فرنسا وفينّا, كما بُنيت تلك الدولة التلال من جماجم العلماء السنّة وفقهائهم وقضاتهم في إيران حيث يُضرب بها المثل -إلى يومنا هذا- في الشارع الإيراني. وكان ذلك سببا في إخلاء المدن الكبرى التي كانت مراكزاً للعلم والفقه والسنّة في العالم، كتبريز وأصفهان والريّ, الواقعة في جنوب طهران العاصمة وأصبحت جزءاً منها, وطوس (وبنيت بقربها مدينة مشهد) وغيرها الكثير, وكان ذلك سبباً لإخلائها من أهل السنة الذين إمّا قتلوا أو استشهدوا أو تشيّعوا جبراً وإكراهاً أو انسحبوا إلى المناطق الجبليّة التي يصعب الوصول إليها, فأصبحوا يقطنون المناطق الحدوديّة الجبليّة كبلوشتسان وكردستان وحاشية إيران من أطرافها الأربع, ليصبحوا بعد ذلك على هامش الحياة السياسيّة الإيرانيّة بسبب استمرار العداء الطائفي والقومي لهم, لأنّ أهل السنة في إيران إلى يومنا هذا كلّهم ليسوا من الفرس, ويسكنون الآن في المناطق الحدوديّة في أطراف إيران الأربعة, فيسكن الأكراد في غرب إيران على الحدود العراقية والتركيّة, ويسكن التركمان في شمالي إيران في الحدود التركمانيّة, كما أنّ العرب يسكنون في حاشية الخليج العربي. أما عرب خوزستان وهم معظم العرب الإيرانيون فهم من الشيعة بسبب مجاورتهم لعرب جنوب العراق الذين هم من الشيعة, ويسكن البلوش في الجنوب الشرقي لإيران على الحدود الباكستانيّة والأفغانيّة، كما يتواجد في كلّ مدينة إيرانيّة عدد لا بأس به من السنّة أي بعشرات الآلاف على أقلّ تقدير. وأمّا عن عددهم في إيران فلا توجد إحصائيّات رسميّة, إلاّ أنّ العدد التقريبي هو بين ربع سكّان إيران إلى ثلثها, أي من 15 إلى 20 مليون نسمة.كيف كانت أوضاع أهل السنّة قبل الثورة, وهل سُجِّلَت لهم مشاركة فيها؟ وكيف كان ذلك؟ وماذا كان جزاؤهم من تلك المشاركة؟ ينحدر أهل السنة في إيران -كما أُشير من قبل- من شعوب غير فارسيّة, ولذلك فقد كانوا أيضاً في ظلّ النظام الملكي السابق في حال لا يحسدون عليها, فكانوا مواطنين من الدرجة الثانية, أوّلاً بسبب بُعدهم عن المدن الكبرى والعاصمة, ثمّ بسبب اعتقادهم المخالف للفرس الشيعة. ونعلم أنّ التشيّع أخيراً تلبّس بمسوح الفرس وأصبح واجهة له, علماً أن الشاه الهالك كان يرفع لواء المجوس والقوميّة الفارسيّة, وبما أنّ الأكراد والبلوش والعرب وغيرهم من السنة لم يكن لهم إسهام في القومية الفارسيّة الوثنيّة, فلم يكونوا ينالون حظّهم من القسط الاجتماعي والإداري والوظيفي والمساواة مع الفرس -شعب اللـه المختار!!- أو الشعب الآري الأفضل!! إلاّ أنّ النظام البهلوي كان علمانيّاً لا دينيّاً كمعظم الأنظمة في البلاد المسلمة حاليّاً, فكان تعامله مع المذاهب والأديان على حدّ سواء -أو بنفس المستوى من الاحترام إن صحّ التعبير وإن كان غير دقيقاً. وكان هناك بعض العلماء والمشايخ من أهل السنّة قاموا بمخالفة الشاه ونظامه العلماني الغربي, إلاّ أنّ منهم -غفر اللـه لهم- من تعاطف مع ثورة الخميني كالشيخ أحمد مفتي زاده وآخرون, وعارض الشيخ أحمد مفتي زاده رحمه اللـه نظام الخميني بعد الثورة بفترة بسيطة, وبقي قرابة عشرة سنوات في السجن, وكان من أقدم سجناء إيران, ولم يُذكر في وسائل الإعلام وخاصّة إذاعة لندن -البرنامج الفارسي- الشهير في إيران, وذلك بسبب ترأّس ابن أحد الآيات له. ولم يخرج من السجن إلى أن تأكّد سجّانوه على أنّه على وشك الموت, فأفرجوا عنه -مع أنّ حكمه بالسجن كان لخمس سنوات!- ولم يلبث إلاّ فترة قصيرة حتّى لقي ربّه. إلتقيت به لمّا كان خارج السجن وفي السجن وبعد السجن حيث أصبح جسمه نحيلاً ضعيفاً, ولكن كانت روحه روح الأسد كما كان قبل السجن, ولم تلنه الأيّام وتعذيب السجون ولم تزده إلاّ إصراراً عجيباً على ما كان يقول به قبل إلقاء القبض عليه. وقد كنت حاضراً لما اعترض مفتي زاده رحمه اللـه على الخميني في بيته بقم, قائلاً له: «يا خميني, أنت وعدّتني بجمهوريّة إسلاميّة لكنّك أتيت بجمهوريّة شيعيّة صفويّة, وإن كانت عقيدتي لا تسمح لي أن أرفع السلاح في وجهك -كذا كان يعتقد مع الأسف- ولكنّي سوف أحاربك سياسيّاً». وكانت هذه الجلسة هي نفسها التي اعترض فيها مولوي عبدالعزيز رحمه اللـه -وهو أخي- نائب بلوشستان في مجلس الخبراء لكتابة الدستور الإيراني على المادّة الـ:13 من الدستور الإيراني, وانسحب من البرلمان وذهب إلى الخميني مطالباً إيّاه بإصلاح الدستور... والشاهد أنّ الشيخ مفتي زاده لمّا خاطب الخميني الذي كان في سكر السلطة ونشوة الثورة التي لم يكن يحلم بها -كما تقول زوجته- بهذه الصراحة هدّده الخميني قائلاً له: سوف تلجأ إلى الجبال التي ذهب إليها غيرك -إشارة إلى الشيخ عزّ الدين الحسيني الصوفيّ الذي تعاون مع الشيوعيين وذهب إلى الجبال ويعيش الآن في السويد-, فأجابه أحمد مفتي زاده الذي كان يعتصر ألماً لدعمه إيّاه قبل الثورة ونشره نشراته وخطبه بعد حذف ما يفوح منه رائحة التشيّع والطائفيّة بين الشعب الكردي السنّي, أجاب الخميني بقوله إنّي سوف أبقي في البلد. وفعلاً بقي مفتي زاده يلقي كلماته وخطبه هنا وهناك, إلى أن أطلقت المخابرات الإيرانية عليه النار في خطبة له في حسينيّة إرشاد في طهران لمّا انتقد الخميني قائلاً له: عيب على صاحب شيبة مثلك أن يكذب -كأنّه نسي أو بالأحرى تناسى كمعظم الدعاة الذين يتعاونون مع إيران كأُجراء بدون أجر على حدّ قول الخميني نفسه, أنّ هذا المذهب الذي ينتمي إليه هذا العجوز مبنيّ أساساً على التقيّة والكذب والخداع والنفاق منذ تأسيسه-, كما انتقد رفسنجاني وخامنئي, ثمّ شكّل هو ومولوي عبدالعزيز من بلوشتان جنوب شرقي إيران, أسّسا معاً مجلساً لشورى أهل السنّة سمّيت اختصاراً بالشمس تخفيفاً لشورى المركزي للسنّة, وكانت الدولة ضعيفة آنذاك وكانت مشغولة بحربها مع أعدائها الألدّاء الذين رفعوا السلاح كمجاهدي خلق وأمثالهم, واجتمع أوّل مجلس سنوي لشورى السنة في طهران العاصمة وثاني مجلس سنوي لها في بلوشتان. كما استطاع قبل ذلك مولوي عبدالعزيز أن يحصل على أرض بمساحة 10 آلاف متر مربّع من الخميني نفسه كمسجد ومجمّع لأهل السنّة في طهران, ووافق على ذلك وتمّ الإعلان عنه في جميع وسائل الإعلام, ذلك أن النظام آنذاك كان لا يزال في طور الضعف والبناء ولم يشتدّ عوده -إلاّ أنّه بعد الحرب مع العراق التي أصبحت بمثابة هديّة ثمينة لترسيخ حكم الآيات الذين لم يكن الشعب الإيرانيّ يتصوّر حكمهم, ولذا نجح بني صدر أوّل رئيس للجمهورية خلافاً لمرشح الآيات بفارق كبير جدّاً, فكانت الدولة بحاجة إلى الوجود السنّي بجانبها, وأمّا أهل السنة فقد كانوا ضعفاء مشتّتين وغير منظّمين أيضاً بسبب الظروف الصعبة التي كانوا يعيشونها في عهد الشاه البائد, ولعدم وجود سند لهم في الخارج -كيومنا هذا- سواء في عهد الشاه أم في عهد الثورة, ولذلك فقد كانت أدنى بادرة خير من طرف الدولة ترضيهم, علماً أنّه لم يكن يوجد أيّ مسجد للسنّة في طهران وفي معظم كبريات المدن الإيرانيّة -ولم يزل- ولذل فقد اعتبر مولوي عبدالعزيز رحمه اللـه أنّ هذا كسب أفضل من لا شيء بعد قرون عدّة, ولكن لمّا اشتد عود النظام ضرب بوعوده عرض الحائط وتمّت مصادرة أرض المسجد المسجّلة وحسابه ومصادرة مكاتب شورى الشمس وحساباته واعتقل المئات من العلماء وطلاّب العلم المتعاونين والمتعاطفين معها من الرجال والنساء, وحتّى تمّ تجاهل مواد الدستور -الإيراني- التي كتبوها حيث أعطت بعض الحرّيات الدينية والتعليم والقضاء -طبقاً لمذاهبهم- في المناطق السنّية, وقال المدّعي العام في وقته آية اللـه موسوي الأردبيلي الذي تمّ عزله الآن عن السياسة, قال لوفد من مشايخ الأكراد الذين سألوه عن الدستور, أجاب بالحرف الواحد وبلهجته التركيّة: «أجل, نحن كتبنا هذا الدستور في وقت كنّا فيه ضعفاء, عملنا بالتقيّة لكنّنا الآن غير ملزمين بالعمل به»!! تماماً حدث مع مولوي عبدالستّار رحمه اللـه لمّا كانوا يعذّبونه, حين قال: أنّ التعذيب ممنوع أجاب أحد السجّانين: نحن نعرف مصلحة الدستور أكثر منكم!! أجل هؤلاء قوم يكتبون دستورهم تقيّة وكذباً, فهل من بني قومنا ممن يلبسون لباس الدعاة ويخدعون شبابهم وشعوبهم بهؤلاء المنافقين وثورتهم, هل بعد هذا كلّه من متّعظ يتّعظ ويعتبر من مصيرنا ومن تجربتنا المرّة -كالعلقم- معهم؟ وأصبح -بعد ذلك الذين ساعدوا ثورة الخميني السوداء في خطر محدق أكثر من غيرهم, فبدأوا بالشيخ مفتي زاده -كما قال هو رحمه اللـه: أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض- ثمّ جاء دور الآخرين الذين تعاطفوا معهم بضغط من النظام الملكي -ومنهم هذا العبد الفقير-, وكان جزاؤهم من تلك المشاركة الخذلان والانتقام وإفراغ الحقد الطائفيّ الأسود والنفي والسجن والإبادة الدقيقة المبرمجة للعلماء وهدم البنية التحتيّة للشعوب السنّية الإيرانية ونشر الضلال والبدع والشركيّات -جبراً وإكراهاً- باستغلال الجهّال وبعض أهل الفرق في المناطق السنّية, وقد قالوا صراحة -وهم في سكرة الانتصار- لتلاميذ الشيخ مفتي زاده وأنصاره -في السجون طبعاً-: ليتكم قمتم برفع السلاح لكي نجد طريقاً لاستئصالكم عن بكرة أبيكم -كباقي الأحزاب-. وقد نشرنا بعض مخطّطاتهم الشيطانيّة في «الخطّة الخمينيّة الإيرانيّة», والتي هي على غاية الخطورة كبروتوكولات بني صهيون تماماً, وهي عبارة عن خطّة على خمس مراحل مدّة كل مرحلة منها عشر سنوات, ونشرت مجلّة البيان -مشكورة- هذه الخطّة السرّية للغاية في عددها 123 فأرجو من القرّاء مراجعتها والاتّعاظ بها. ولنعد إلى موضوع السؤال مرّة أخرى: إنّ أهل السنّة في إيران صدّقوا وعود الخميني الكاذبة، واشترك كثير منهم في المظاهرات المناوئة للنظام السابق, وحتّى جرّ بعضهم إلى الحرب مع العراق بفعل الوعّاظ المنافقين, فأصبح جزاؤهم النكران والظلم مرّة أخرى لأنّ السنّي الذي خالف النظام السابق- على خلاف المتملّقين وضعاف النفوس- خالفه مبدأً وفكراً. هذا إنسان لا يُباع ولا يُشرى بسهولة, فيكون موقفه مع النظام الجديد هو نفس الموقف المبدئي وطلب الحقوق والمساواة وخدمة شعبه وبني عقيدته, فلذا أخذ النظام الجديد -ابتداءً- يحصد كلّ من كان يطالب بالحقوق بسجنه أو إعدامه أو اغتيال شخصيّته بشتّى التهم, كما فعل النظام مع الأستاذ الشهيد بهمن شكوري الذي قضى مدّة طويلة من حياته في سجون الشاه. كما بدأ يسجن وينفى ويعذّب ويهين عدداً من المشايخ بعد ذلك, حيث سجن النائب البلوشي مولوي نظر محمد ديدغاه ولقي من التعذيب -كما أخبرني بعد ذلك- ما اللـه به عليم, وأخذوا منه الاعترافات التي تجود بها قرائح القوم وتليق بهم, واستطاع الشيخ بعد ذلك أن يهرب من جحيم إيران, ويعيش الآن مهاجراً في باكستان الغير الآمنة حيث لم نستطع أن نؤمّن له إقامة -ولو كعامل بسيط!- في الدول الخليجيّة. كما سجن مولوي محي الدين البلوشستاني ومولوي دوست محمّد سراواني البلوشي, ونُفيا بعد ذلك إلى نجف آباد -مدينة منتظري التي بدأت تثور اليوم- واستطاع مولوي محي الدين أيضاً أن يهرب بعدما أفرج عنه بعد السجن والنفي الطويل ومنع دخوله في منطقته التي بنى فيها مدرسة دينية إلى باكستان, وآخرون كثيرون غيرهم. كما أن مولوي إبراهيم دامني لم يزل رهين السجن منذ أكثر من خمس سنوات بعدما لقي من التعذيب والإهانات -بسبب جرأته وصدعه للقول الحقّ تجاه عقائد الروافض- ما اللـه به عليم. وأمّا جزاؤهم في ظلّ النظام الطائفي الحالي -كما ترون- فإنّهم يعيشون في غاية الذلّ والقهر ولا يُقارنُ حالهم -دون أدنى مبالغة أو تهويل- كما جرّبت بنفسي هناك, بحال المسلمين في فلسطين المحتلّة. هل هناك عاصمة في العالم لا يوجد فيها مسجد -واحد!!- لأهل السنّة غير طهران عاصمة الشيعة, بل لا يوجد فيها لنا مقبرة, هذا في الوقت الذي يوجد حتّى للبهائيّة مقبرة, ويوجد للنصارى -في طهران وحدها فضلاً عن المدن الأخرى- أكثر من أربعين كنيسة وكذلك فإنّ جميع الأقلّيات الكافرة لها معابدها وحرّيتها النسبيّة في العبادة, حيث أعلن زعيم الثورة خامنئي أنّ جميع المجوس في العالم وطنهم الأول هو إيران, فاعتزم بعد ذلك المجلس العالمي للمجوس نقل مقرّه إلى إيران بدلاً من الهند. فالمجوس في العالم كلّه إيرانيون بالدرجة الأولى ولو كانوا هنوداً -مثلاً-, أمّا نحن فيجب أن نُطرد من أرض آبائنا وأجدادنا لأنّنا لم نقبل أن ندخل بالتشيّع والتمجّس! هذا هو منطق القوم لما وصلوا إلى السلطة والقوّة, مع أنّ هذا الرجل هو الذي كان يأتي إلى بيتنا ويتكلّم بلسان أحلى من العسل عن الوحدة الإسلاميّة -المزعومة- مع أخي مولوي عبدالعزيز والآخرين من مشايخ السنّة! وكما أشرت فإنّه ممنوع علينا بناء مسجد أو مصلّى أو حتّى مقبرة في جميع المدن الإيرانية الكبرى منعاً باتّاً, وحتّى في المدن التي كان لنا فيها مساجد كشيراز ومشهد فقد حوّلوا مسجد شيراز -مسجد الحسنين- إلى صالة سينما لعرض الأفلام, وأمّا مسجد مشهد فقد تمّ هدمه نهائيّاً في عام 94 وحُوِّل إلى عراء وحديقة بعد ذلك, بسبب موقع المسجد في زقاق بقرب بيت والد زعيم الثورة! هذا عدا عمّا قاله سادن قبر الإمام الرضا آية اللـه طبسي -عليه من اللـه ما يستحقّ- وهو مشهور بشاه طبس لعنجهيّته وفرعونيّته قال: يجب أن لا يكون هناك أيّ وجود سنّي في قِطرٍ قدره 100 كيلومترا حول قبر الإمام الرضا -الذي بجنبه قبر هارون الرشيد- رحمهما اللـه تعالى. علماً أن على أطراف مدينة مشهد توجد المدن والقرى السنّية بكثرة, فحسبنا اللـه نعم الوكيل. إذن فجزءا السنّة الخيانة والغدر والبطش والتنكيل للعموم والقتل والتشرد وتهجير العلماء والدعاة من موطن آبائهم وأجدادهم كما حدث في كشمير وفلسطين وغيرهما من البلاد المسلمة التي وقعت في قبضة الأعداء. جاءت ثورة الخميني لتطلق العنان للدعوات إلى الوحدة الإسلامية وشعارات نبذ المذهبيّة... كيف يطبّق قادة الثورة والحكومة الإيرانية هذه الشعارات على أرض الواقع؟ أجل, لمّا قامت الثورة رفع قادة الثورة -نفاقاً وزوراً كما علمنا فيما بعد وأثبتت التجارب المُرّة لنا- لواءَ الوحدة الإسلاميّة ونبذ الشعارات المذهبيّة وانجذب إلى هذه الشعارات بعض الدعاة وهتفوا بأن لا سنّية-لا شيعيّة دولة دولة إسلاميّة. ولكن بمجرّد أن استقرّ أمرهم وقويت دولتهم ظهرت حقيقة نواياهم ونسوا المؤتمرات الكثيرة التي كانوا يقيمونها لدعم الوحدة الإسلاميّة, ولا أزال أذكر كلام آية اللـه بمشتي الذي قتل في تفجير مركز حزب الجمهوري -الحاكم آنذاك- حيث قال: سوف ندفن (!!) خلافاتنا التي استمرّت ألف سنة, وكان أكثرهم نفاقاً. ويؤكّد أبو الحسن بني صدر (أوّل رئيس منتخب بعد الثورة) بشتّى الأدلّة أنّ ذلك التفجير كان بأمر من الخميني, لأنّ أمريكا كانت تتّصل بهم من خارج منظومته وعلمه!! وهذا سبّب خوفه لأنّها تريد غيره! وعمد النظام بعد ذلك إلى زرع الفتنة بين المشايخ من السنّة, وحاول جاهداً اغتيال شخصيّات الدعاة المرموقين واستبدالهم بوجوه جديدة تباع وتشترى. كما بدأ بإفساد المدارس الدينية وشراء ذممپ ضعاف النفوس والجهلة, وكان أوّل عائق لهم وجود الدعاة المشهورين والمتأصّلين في المجتمع والزعماء البارزين من قبل الثورة, وكان هذا يشكّل عقبة أمام الدولة الطائفيّة في مخطّطاتها لإضعاف السنّة وإدخالهم في التشيّع مستقبلاً, علماً بأنّ كثيراً من نشطاء الثورة في عهد الشاه نفوا إلى المناطق السنّية. وكان من هؤلاء آية اللـه طالقاني, وهو الذي اقترح صلاة الجمعة التي ليست بواجبة عندهم إلى اليوم ويسمّونها الصلاة العبادية السياسية؛ كما أنّه لم يرض أن يبنوا قبة على قبره وجعل هذا -في وصيّته كما أذاعتها إذاعة إيران- نوعاً من الشرك, بل وأكثر من هذا عندما نبذ آية اللـه البرقعي التشيع جانباً وتحدّى الآيات بالمباهلة, قال له الطالقاني: «إن كلامك على حق ولكنّنا لا نرى المصلحة في إظهار ذلك كي نحارب النظام (البهلوي) وكي لا ينفضّ الناس عنّا». وأجابه البرقعي: إنّك بهذا سيكون ذنبك أعظم لأنّك تعرف الحق وتكتمه. وخلاصة الكلام أن الطالقاني كان يختلف عقائديّاً مع صناديد البدع والشرك في قم وطهران, وكان هو وسيد علي خامنئي يعيشان في المنفى في بلوشستان -وهي منطقة سنّية-, وكان موسوي الأردبيلي -الذي شغل فترة منصب المدّعي العام ثمّ عُزل ويدرّس الآن بقم- قد نفي إلى مدينة تربت جام -قرب مشهد- السنّية, وكذلك آية اللـه منتظري كان قد نُفي إلى كردستان, وهي الأخرى منطقة سنّية... وكان هؤلاء الزعماء الجدد والآخرون يعرفون المناطق والمجتمعات السنّية وأوضاعها ونقاط الضعف فيها من حيث الفقر المادّي والفقر التعليمي, خاصّة بمساعدة الدوائر الأمنيّة الشيطانيّة بعد ذلك. فكانت أول مؤامرة حاكها الزعماء الجدد -كنظام البهلوي في إيران والشيوعيين في غيرها- هي استغلال نقاط الضعف هذه التي ورثناها منذ عهد البهلوي وهي الضعف المادّي, خاصّة للمدارس الدينية والمساجد والقائمين عليها, فأرسلوا هيئات للمناطق السنّية لمساعدة المدارس! (زعموا) وخصّصوا رواتب للمشايخ والمدرّسين -ثمناً لسكوتهم كعهد البهلوي تماماً وإساءةً لسمعتهم- وقطعوها بعد ذلك. ولكن بعض المدارس اعتذرت عن قبول هذه الرشاوى -وكان عدم القبول يعني عداوة الثورة في منطق زعمائها-. كما كان بعض الشباب من المشايخ قد انجذبوا إلى الثورة لأسباب عديدة ليس هذا مجال شرحها, ربّما أشرحها إذا أراد اللـه تعالى في كتيّب سميته «قصة خمسة قرون من الاضطهاد الطائفي في إيران». واشتغلت الدوائر الأمنيّة -من حزب اللـه وجنود إمام الزمان المجهولين على حسب تعبيرهم- بزرع الفتنة بين المشايخ من جهة وبين وجهاء البلد من جهة أخرى وبين الدارسين والمثقّفين من جهة ثالثة لتوجد بيئة مليئة بالريبة والشك وعدم الأمان, فاستغلّت الجميع -إلا من رحم ربّك- ضدّ بعضهم البعض لتحدث شرخاً اجتماعيّاً بين الجميع خاصّة بين علّية القوم وزعمائهم الدينيين. ومن هذا القبيل أشاع بعض المساكين من أهل الطرق المنسوبة إلى أهل السنّة, تهمة الوهّابية عن الشيخ أحمد مفتي زاده وأمثاله, ثمّ ما لبثت الدولة أن حرّكتهم ليطالبوا بإعدام «هذا الوهّابي المشاغب» الذي لا يلين ولا يسكت -وأمثاله. مع أنّ الرجل رحمه اللـه لم يكن سلفيّ العقيدة -خلافاً لزميله الشهيد ناصر سبحاني رحمه اللـه الذي أُعدِم بجريمة اعتقاده فقط, وقال عنه الخميني بأنّه «ضال مضلّ», ولكنّه كان شديد المراس غيّوراً لدينه وأبناء عقيدته من السنّة. قلنا أن الدولة حاولت شراء ذمم إدارات المدارس والقائمين عليها -ترغيباً وترهيباً- بإرسال مبالغ مالية إليها مع نسخة من كتاب نهج البلاغة ليدرّس فيها, وطلبت مراراً وتكراراً ذلك من المدارس, قائلة إنّنا معشر الشيعة والسنّة إخوة -ومن يتجرّأ على القول بغير ذلك؟- وإثباتاً للوحدة الإسلامية يجب أن تدرّسوا الفقه الشيعي ونهج البلاغة في مدارسكم -أُنظروا خطط أبناء ابن سبأ- فأجابهم مولوي عبدالعزيز: فأنتم قبل هذا يجب عليكم أن تدرّسوا البخاري ومسلم والفقه السنّي في مدارسكم أيضاً. عند ذلك خنسوا ولم يتمكّنوا من فرض ذلك في حياته, كما أنّهم لم يقدروا في حياته أن يقوموا بما فعلوه بعد ذلك من إذلال المشايخ واجترار الفتاوى الرخيصة منهم تبريراً لمخطّطاتهم الشيطانيّة, خاصّة عندما استلم ببغاء ضعيف مكانه ليحارب ابن الشيخ والسلفية وأي تنوّر فكري ديني يخالف التقليد المطلق جهلاً منه أو إرضاءً للدولة. ثم جاء دورهم بعد ذلك, ولكن الدولة -على أيّة حال- استطاعت بسياسة الجزر والعصا وبمساعدة الأمن والإرهاب وغسيل الأدمغة أن توجد لها أثراً بين المدرّسين وفي المدارس, واقتربت المخابرات الإيرانية من أهدافها الخبيثة في إفساد المدارس عندما أسّست ما أسمته بمكتب القائد لأمور السنّة، وقال المكتب في إعلانه: «بما أنّنا دولة إسلاميّة فيجب أن نحترس من الوهّابية -وهي في دولة الرافضة تهمة مطّاطة ويمكن إطلاقها على كلّ مخالف وليس القصد منها السلفيّ فحسب-, وعلينا أن نشرف -وهذا هو بيت القصيد- على برامج المدارس الدينيّة» -مع أنّ هذه المدارس كلّها ديوبندية باكستانية حنفيّة مقلّدة محضة وهي تحارب السلفية بنفسها خوفاً من انتشار الوهابية, وإلا فإنّ الدولة ستقطع مساعداتها ولا تعترف بالمدرسة -مع أنّها جميعاً غير معترف بها- ولكنّ الاعتراف الذي يُعنَون به هنا هو تأجيل خدمة الطلاّب العسكرية لحين إتمام الدراسة فقط. زد على هذا أن مدراء المدارس جميعاً دون استثناء لم يكن ينقصهم العداء للسلفيّة, فكم من طالبٍ فُصل من هذه المدارس أو ضرب أو سلّط عليه الأوباش من جهة مدراء المدارس لمجرّد رفع اليدين (في الصلاة) أو لدفاعه عن شيخ الإسلام ابن تيمية أمَام الشيعة أو لعدم سبّه وشتمه أبو الأعلى المودودي وما إلى ذلك من المضحكات المبكيات.. واستطاعت المخابرات ممثّلة بمكتب القائد -بطرق خبيثة شتّى أستحي عن ذكر بعضها- أن تسيطر على المدارس والمساجد -وهي المجال الضيّق الوحيد الذي استطاع أهل السنّة أن يتحرّكوا فيه- سواء من حيث الامتحانات أو من حيث البرامج, وفرغت المدارس المتعلّقة بأهل السنّة من محتواها, عدا عمّا سيطرت عليها مباشرة أو أغلقتها أو هدمتها, وأنشأت هي الأخرى مدارس حكوميّة لها الغرض -أي تشييع أهل السنّة- لتحدّ من نشاط هذه المدارس بوضع العراقيل والشروط المستعصية لقبول الطلاّب فيها وتقصّي أحوال التلامذة وأساتذتهم والمدارس التي تخرّجوا منها والطلاّب والمدرّسين والاستجواب الدوري المستمرّ للجميع ليكون الجميع في اضطراب دائم وعدم استقرار نفسي وليثبّتوا أركان وحدتهم الإسلامية التي طالما خَدَعوا بها السذّج وأصحاب المصالح والمطامع من بني جلدتنا سواء في داخل إيران أو خارجها. ثمّ جاء دور المساجد والمدارس لتهدم أو تغلق, والعلماء والدعاة ليعدموا ويشرّدوا أو يتعفنوا في غياهب السجون!؟ -على حدّ قولهم. على كلّ حال, استطاعوا برفعهم شعارات برّاقة -كالوحدة الإسلامية- أن يخدعوا كثيراً من الناس خاصّة في خارج إيران حيث يدعونهم -بعد كلّ هذه المآسي التي مرّ ذكرها- لحضور مؤتمراتهم, ثمّ يتحوّل هؤلاء -الموتورون أصلاً- خلال فترة لا تتجاوز الأسبوعين, إلى شهود زور لدى شعوبهم يخدعونها بما ينقلونه لها عن بريق الوحدة التي شاهدوها بأمّ أعينهم في أمّ القرى الإسلامية -في طهران- ولم أر من زعماء ما الحركات الإسلامية الذين زاروا إيران إلاّ ونادى بها دون علم بواقعهم العملي في داخل البلد, ويذهب كلّ واحد منهم لزيارة قبر الخميني الذي أصبح وثناً أشدّ من أي وثن يُعبد في إيران من دون اللـه, ليضعوا أكاليل الزهور على قبره, ثمّ يصلّون الجمعة خلف الشيعة -الذين لا يرون وجوبها أصلاً لغياب مهديّهم الموهوم-.. أجل هكذا بكلّ بساطة يقولون: نحو أخوة لا فرق بيننا, مع أن أيدي القوم ملطّخة بدماء العلماء وغبار المساجد والمدارس الدينية المهدّمة... ألم تصبح مهمّة الأعور الدجّال بين أشباه الدعاة اليوم سهّلة ميسّرة؟ لقد ضللت مواقفهم وتصريحاتهم وأقلامهم عقول الناشئة وزعزعت أفكارهم وآراءهم وسهّلت طريقهم إلى التشيّع والسب والشتم لسلف الأمّة, ويطول عجب المرء عندما يلمس سطحيّة هؤلاء الدعاة والحركات الإسلامية وغفلتهم عن الواقع العملي وعدم الاتّعاظ به ووقوفهم على أهبة الاستعداد للدفاع عن الروافض بعدما كشّروا عن أنيابهم ويحيكون المؤامرات واحدة تلو الأخرى ضدّ أهل السنّة وجمهور أبناء عقيدتنا -ومنهم هؤلاء أنفسهم- يصفّقون لهم، وكنّا في إحدى المؤتمرات في طهران -ومن يستطيع أن يغيب عنها من الداخل؟- وإذ بأحد أبناء اندونيسيا يهتف قائلاً -وهذا لسان حال جميع المدافعين عن ثورة الرافضة-: إنّنا نريد هذا المذهب الثورة في إندونيسيا!!ورحم اللـه أحمد شوقي حيث قال: أثّر البهتان فيه وانطلى الزور عليه ملأ الجو صراخاً بحياة قاتليه يا له من ببغاء عقله في أذنيه .