سلسلة الحقائق الغائبة (5) :

 

روايات الغدير

عرض ونقد

فيصل نور

 

موجز لبحث مستفيض تجد أصله في كتابنا الإمامة والنص:

 

رواية غدير خم أصل من أصول الشيعة في إثبات معتقد الإمامة، وعليه المعول الأول في بناء هذا الركن، حيث وضعوا في فضائل يومه عشرات الروايات وجعلوه عيدا من أعظم أعياد المسلمين واستحبوا صومه إلى غير ذلك من فضائل واعمال، ولا أرى بأسا من ذكر شـذر يسيـر من ذلك قبل الدخول في تفاصيله.

روى القوم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي .

وعن الصادق ان فرات بن احنف ساله: جعلت فداك للمسلمين عيد أفضل من الفطر والاضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة ؟ فقال لي: نعم أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة، وهو اليوم الذي اكمل الله فيه الدين، وأنـزل على نبيه محمد{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}، قال: قلت: وأي يوم هو؟ فقال لي: إن أنبياء بني اسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصية والإمامة للوصي من بعـده ففـعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيدا. وإنه اليوم الذي نصب فيه رسول الله عليا للناس علما، وانزل فيه ما أنزل - إلى أن قال - هو يوم عبادة وصلاة وشكر لله وحمد له، وسرور لما من الله عليكم من ولايتنا، واني أحب لكم أن تصوموا فيه . والروايات في ذلك كثيرة . ومن روايات استحباب صومه زيادة على ما مرّ بك، ما رووه عن الصادق أنه قال إن صيامه يعدل صيام ستين شهرا 0 وفي لفظ - كفارة ستين سنة . بل وصيام عمر الدنيا . بل ويعدل عند الله في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات .

ومن روايات استحباب الصلاة في موضع الغدير ما نسبوه إلى الصادق أنه قال: يستحب الصلاة في مسجد الغدير، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام فيه أمير المؤمنين وهو موضع اظهر الله عزوجل فيه الحق. وجعلوا صلاة ركعتين يوم الغدير تعدل عند الله مائة ألف حجة ومائة ألف عمرة، ومن فطر فيه مؤمنا كان كمن اطعم فئاما وفئاما وفئاما فعد الصادق إلى عشرة، ثم قال: أتدري كم الفئام ؟ قال الراوي: لا، قال: مائة ألف كل فئام، كان له ثواب من اطعم بعددها من النبيين والصديقين والشهداء في حرم الله وسقاهم في يوم ذي مسبغة، والدرهم فيه بألف ألف درهم، ثم قال: لعلك ترى أن الله خلق يوما اعظم حرمة منه، لا والله لا والله لا والله 0

وخم غدير يقع في وادي الأراك على عشرة فراسخ من المدينة وعلى أربعة أميال من الجحفة، ثبت أن رسول الله قال عنده في حق علي : من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه . وغيره من ألفاظ قريبة وردت من طرق يشد بعضها بعضا، ولكن لا شك أن حديثا كهذا لا يستوجب كل ما أورده القوم فيه، والذي ذكرنا بعضا منها آنفا، ولا يستوجب وضع المجلدات الكبار فيه، كما فعل البعض حيث اضاع جل عمره في تتبع مواطـن الجـرح فيمـا يظـن وتـرك مواضع البرء من تاريخنا الاسلامي، تماما كما يفعل الذباب0 وحيث أن ديدن القوم وضع الأحاديث لإثبات معتقدهم، فلا شك في أنهم قد اطلقوا العنان لتفكيرهم في روايتنا هذه، خاصا وأن لها أصلا، حيث نسجوا حولها الأساطير، فغدا باعاً بعد أن كان ذراعاً .

ومن ذلك جعلهم نزول بعض الآيات فيها كآية التبلغ، وآية اكمال الدين واتمام النعمة، وغيرها، كما سيأتي. وتفنن كل واحد منهم في جعل هذا الأصل الذي ذكرناه من الحديث بطريقته الخاصة، حتى جعلها البعض اقرب إلى الروايات القصصيه منها إلى الهدي النبوي، ولا نطيل في هذا ولكن نشرع في بيان المطلوب .

فقد ذكرنا ان ماثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الغدير قوله الذي ذكرناه أو قريبا منه. أما القوم فقد ملؤوا كتبهم من أن الله عزوجل قد حذر نبيه من كتمان أمر الوصية حتى أنزل في ذلك قوله تعالى:{ يأيها النبي بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} [المائدة /67]، فقام خطيبا في الناس في غدير خم وكان ذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة وقال: من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، فأنزل الله :{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}[ المائدة/ 3].

فهذا موجز للقصة، وكما ذكرنا أنه لم يصح من قصتنا هذه الا ما اثبتناه . أما الشطر الثاني من الحديث وهو قوله : وانصر من نصره واخذل من خذله، فقد اضطربت طرق هذه الزيادة، ولا ينبغي لها أن تصح لمخالفتها الواقع، فإن الله قد نصر من خذله بزعم القوم وخذل من نصره، فضلا عن أن فيه عدم استجابة الله لدعائه على إفتراضه، ولا يهمنا الكلام في أسانيد هذه الزيادة فليس فيها ما يستوجب ذلك، ولكن الذي يهمنا هنا وقبل الكلام في وجه الدلالة فيه هو بيان أنه لم يصح في قصة الغدير نزول شييء من كتاب الله، رغم استماتة القوم في إثبات ذلك واليك البيان :

الرواية الأولى: أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس قال: سمعت أباسعيد الخدري يقول: أن رسول الله دعا الناس بغدير خم،00 فذكر القصة - ثم قال: فلم ينزل حتى نزلت هذه الآية{ اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} فقال رسول الله : الله أكبر على اكمال الدين واتمام النعمة ورضى الرب برسالتي وبولاية علي من بعدي .

أقول: تطرقنا إلى هذا السند عند كلامنا في الروايه الأولى من الإستدلال الأول من هذا الباب ، فراجعه0

الرواية الثانية: الصفار: حدثنا احمد بن محمد عن الحسن بن علي النعمان عن محمد بن مروان عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر في قوله: ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك00الآية ) قال: هي الولاية 0

أقول: احمد بن محمد إن كان البرقي فهو وإن كان ثقة في نفسه إلا أنه يروي عن الضعفاء واعتمد المراسيل، له كتاب في تحريف القرآن احتج به صاحب فصل الخطاب، ذكر ابن الغضائري طعن القميـين فيـه وابعـاده عـن قم، وإن لم يوافقه أضرابه في ذلك بحجة إن الطعن إنما في من يروي عنه وإن من ابعده اعاده إليه واعتذر إليه .

وإن كان السياري فهو متروك الرواية عند كل من ترجم له لفساد مذهبه وغلوه.

وإن كان الأشعري فعلى ما ورد في توثيقه، الا ان الكليني أورد ما يدل علي ذمه (، وان كان إبن أبي النصر البزنطي فهو الذي روى فيه القومأن الرضا دفع إليه بمصحف وقال له: لا تنظر فيه وقرأت فيه: لم يكن الذين كفروا، فوجدت فيها سبعين رجلا من قريش باسمائهم وأسماء آبائهم، قال: فبعث إليّ: ابعث إليّ بالمصحف . ففيه القول بتحريف القرآن وعدم اطاعتة لإمامه وحسبه أحداهما، وإن كان ابن اسماعيل فهو مجهول .

وإن كان ابن عمرو بن عبدالعزيز فلم أجد له ترجمة، هؤلاء شيوخ الصفار الذين تبدأ اسماؤهم باحمد بن محمد كما ذكر محقق البصائر.

أما الصفار فحسبك احالتنا لك لما أوردناه في الباب الأول عند ذكرنا لمنزلة الإمامة، فاقرأ ما ذكرناه عن أبواب بصائره ثم احكم علي الرجل بنفسك، اما إبن مروان فمجهول0

الرواية الثالثة: القمي: حدثني أبي عن صفوان بن يحيي عن العلا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: آخر فريضة أنزلها الله الولاية، ثم لم ينزل بعدها فريضة، ثم أنزل: (اليوم اكملت لكم دينكم ) بكراع الغميم 0

أقول: القمي وأبوه وكذا صفوان وابن مسلم قد مرّ الكلام فيهم، والعلا، لم يصرح أحد بوثاقته، وتوثيق والخوئي له إنما لوروده في إسناد كامل الزيارات. وقد مرّ الكلام في بيان فساد ذلك0

الرواية الرابعة: القمي: حدثني ابي، عن إبن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبدالله قال: لما أمر الله نبيه أن ينصب أمير المؤمنين للناس في قوله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك في علي، بغدير خم فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فجاءت الابالسة إلى ابليس الاكبر وحثوا التراب على رؤوسهم، فقال لهم ابليس: مالكم؟ فقالوا: إن هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شييء إلى يوم القيامة فقال لهم ابليس: كلا إن الذين حوله قد وعدوني فيه عدة لن يخلفوني، فانزل الله تعالى علي رسوله: ولقد صدق عليهم ابليس ظنه) 0

ذكرنا الكلام في القمي وتفسيره، وهذه الروايه أحد نماذج التحريف الذي ملأ بها تفسيره، وتكلمنا في أبيه، وفي ابن أبي عمير0

الرواية الخامسة: فرات: جعفر بن محمد الازدي، عن محمد بن الحسين الصائغ، عن الحسن بن علي الصيرفي، عن محمد البزار، عن فرات بن احنف، عن أبي عبدالله قال: قلت له: جعلت فداك للمسلمين عيد أفضل من الفطر والاضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة؟ قال: نعم أفضلها وأعظمها واشرفها عند الله منزلة، وهو اليوم الذي اكمل الله فيه الدين، وأنـزل على نبيه محمد: اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي00 الآية، 00فذكر قصة الولاية 0

الرواية السادسة: فرات: الحسين بن سعيد معنعنا عن إبراهيم بن محمد بن اسحاق العطار وكان من أصحاب جعفر، قال سمعته يقول: في قول الله عزوجل : اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي، قال: في علي .

الرواية السابعة: فرات: معنعنا عن زيد بن ارقم قال: لما نزلت هذه الآية : يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك00الآية، 00فذكر القصة .

الرواية الثامنة: فرات: الحسين بن الحكم، قال: حدثنا سعيد بن عثمان عن أبي مريم، عن عبدالله بن عطاء قال: كنت جالسا مع أبي جعفر فقال: اوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قل للناس من كنت مولاه فعلي مولاه، فلم يبلغ بذلك وخاف الناس، فأوحي إليه: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك00الآية، 00فذكر القصة .

الرواية التاسعة: فرات: جعفر بن احمد معنعنا عن عبدالله بن عطاء قال: كنت جالسا عند أبي جعفر في مسجد الرسول وعبدالله بن سلام جالس في صحن المسجد قال: جعلت فداك هذا الذي عنده علم الكتاب؟ قال: لا ولكنه صاحبكم علي بن أبي طالب، أنزل فيه: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا00الآية، ونزل فيه: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك00الآية، 00 فذكر القصة .

الرواية العاشرة: فرات: الحسين بن سعيد معنعنا عن جعفر : ( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي) قال: بعلي بن أبي طالب .

الرواية الحادية عشرة: فرات: جعفر بن احمد بن يوسف معنعنا عن أبي جعفر في قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك00الآية،00 فذكر القصة .

الرواية الثانية عشرة: فرات: حدثني اسحاق بن محمد بن القاسم بن صالح بن خالد الهاشمي، قال: حدثنا أبوبكر الرازي محمد بن يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم بن نبهان بن عاصم بن زيد بن ظريف مولي علي بن أبي طالب قال: حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني، قال: حدثنـا سلمة بن الفضل عن أبي مريم، عن يونس بن حسان عن عطية، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنت والله جالسا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد نزل بنا غدير خم وقد غص المجلس بالمهاجرين والأنصار فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قدميه فقال: أيها الناس إن الله أمرني بأمر فقال: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته.. فذكر القصة.

الرواية الثالثة عشرة: فرات: حدثنا الحسين بن الحكم الحبري قال: حدثنا حسن بن حسين، قال: حدثنا حبان عن الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس رضي الله عنه قال في قوله تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك00الآية، نزلت في علي... فذكر القصة .

الرواية الرايعة عشرة: فرات: حدثني الحسين بن سعيد قال: حدثنا علي بن حفص العوسي، قال: حدثنا يقطين الجواليقي عن جعفر عن أبيه في قوله: اليوم اكملت لكم دينكم00الآية، قال: نزلت في علي بن أبي طالب خاصة دون الناس .

الرواية الخامسة عشرة: فرات: حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا: عن أبي الجارود قال: سمعت اباجعفر يقول حين أنزل الله تعالى: اليوم اكملت لكم دينكم00الآية، قال: فكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب.

الرواية السادسة عشرة: فرات: حدثني علي بن احمد بن خلف الشيباني قال: حدثنا عبدالله بن علي بن المتوكل الفلسطيني عن بشر بن غياث عن سليمان بن عمرو العامري عن عطاء عن سعيد، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: بينما النبي وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بمكة أيام الموسم إذ التفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي فقال: هنيئا لك وطوبى لك يا أبا الحسن إن الله قد أنزل عليّ آية محكمة غير متشابهة ذكرى وإياك فيها سواء فقال: اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا .

الرواية السابعة عشرة: فرات: حدثني عبيد بن عبدالواحد معنعنا، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: بينا نحن مع النبي بعرفات إذ قال: أفيكم علي بن أبي طالب؟ قلنا: بلى يا رسول الله فقربه منه وضرب بيده على منكبه ثم قال: طوبى لك يا علي نزلت عليّ آية ذكرى وإياك فيها سواء فقال: اليوم اكملت لكم دينكم00الآية، فقال ابن عباس رضي الله عنه في تفسير الآية: اليوم اكملت لكم دينكم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم واتممت عليكم نعمتي بعلي ورضيت لكم الاسلام دينا بعرفات.

الرواية الثامنة عشرة: فرات: حدثنا علي بن محمد بن مخلد الجعفي معنعنا، عن طاوس عن أبيه قال: سمعت محمد بن علي يقول: نزل جبرئيل على النبي بعرفات يوم الجمعة فقال: يا محمد الله يقرؤك السلام ويقول: قل لأمتك اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي بولاية علي بن أبي طالب .

الروايات السابقه كلها من تفسير فرات بن إبراهيم، وقد اسهبنا في الكلام فيه وفي تفسيره عند ردنا على الاستدلال الأول، حيث ذكرنا فيه قول بعض مشايخ الإمامية بأنه لم يتعرض الأصحاب له بمدح أو قدح، وأن التاريخ لم يذكر من حياته شيئا ولم تفرد له الكتب الرجالية ترجمة لا بقليل ولا كثير ولم تذكره حتى في خلال التراجم. وكذا أبوه وجده إلا ما تردد في أسانيد بعض الكتب كالتفسير نفسه، وشواهد التنزيل وكتب الشيخ الصدوق والمجموعة التفسيرية المعروفة بتفسير القمي وفضل زيارة الحسين لابن الشجري .

وأما كنيته فلم تذكر إلا في ( فضل زيارة الحسين ) لابن الشجري الكوفي، ولو أن هذه الكتب الآنفة الذكر لم تذكر فراتا في ثنايا أسانيدها لأمكن التشكيك في وجود شخص بهذا الإسم والقول بأن هذا الإسم مستعار كما اعترف القوم بذلك وأنه ربما كان من الناحية الفكرية والعقائدية زيديا، وتفسيره براوية أبي الخير مقداد بن علي الحجازي المدني عن أبي القاسم عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن العلوي الحسني أو الحسيني عن فرات كما نلاحظ ذلك في بداية الكتاب ونهايته. والكتاب محذوف الأسانيد وأكثر الرواة فيه غير مترجمين في الأصول الرجالية، كحال راوي التفسير عن فرات0

أما أحوال رجال أسانيد الروايات السابقه، فالازدي مجهول .

والصائغ قال فيه النجاشي: ضعيف جدا وقيل غال، وكذا قال كل من ترجم له . والصيرفي مجهول . وكذا حال كل من البزار. وسعيد بن عثمان . وابن عطاء . وعلي بن حفص .

وطاوس وأبيه . والحسين بن سعيد كما ذكرنا ليس الاهوازي الثقة، وابن احنف يرمى بالغلو والتفريط بالقول، والكذب ولا يرتفع به ولا بذكره .

والعطار، وابن الحكم، وسعيد بن عثمان، واسحاق بن محمد الهاشمي، ويونس بن حسان، والشهابي، والفلسطيني، وابن غياث، والعامري، وبن مخلد لم أجد لهم ترجمة، وأبومريم، وسلمة، وحسن، والكلبي، وأبوالجارود بين متروك والحديث ومختلف فيه0

الرواية التاسعة عشرة: الصدوق: حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، قال: حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، قال: حدثنا محمد بن ظهير، قال: حدثنا عبدالله بن الفضل الهاشمي، عن الصادق عن آبائه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لأمتي، يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي اكمل الله فيه الدين، واتم على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الاسلام دينا00الرواية 0 الهاشمي مرّ الكلام عنه، وكذا فرات، وابن ظهير مجهول الحال .

الرواية العشرون: الصدوق: حدثني أبي، عن سعد بن عبدالله، عن احمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن خلف بن حماد الاسدي، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان الاعمش، عن عباية بن ربعي، عن عبدالله بن عباس قال: ثم ذكر حديثا طويلا فيه أن الله عزوجل أمر رسوله الله ليلة الإسراء والمعراج بأن ينصب عليا وزيرا، فهبط رسول الله فكره أن يحدث الناس بشيء كراهية أن يتهموه، لأنهم كانوا حديثي عهد بجاهلية، حتى مضي لذلك ستة أيام، فأنزل الله تبارك وتعالى:{ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك }[ هود/ 12]، فاحتمل رسول الله ذلك حتى كان يوم الثامن، فانزل: {يـأ يها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تهديد بعد وعيد، لأمضين أمر الله عزوجل ، فإن يتهموني ويكذبوني فهو أهون عليّ مـن أن يعاقبني العقوبة الموجبة في الدنيا والآخرة، فكـان ما كان من قصة الغدير، فانزل تبارك تعالى: اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا، 00الرواية0

مر الكلام في أكثر رجال هذا السند، ووالد البرقي كإبنه مختلف فيه .وكذا حال الاسدي . والعبدي مجهول .

الرواية الحادية والعشرون: الصدوق: حدثنا أبوالعباس محمد بن إبراهيم بن اسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال: حدثنا أبواحمد القاسم بن محمد بن علي الهاروني، قال: حدثني أبوحامد عمران بن موسى بن إبراهيم عن الحسن بن القاسم الرقام، قال: حدثني القاسم بن مسلم، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم، عن الرضا: وذكر حديثا طويلا فيه: وانزل في حجة الوداع وفي آخر عمره : اليوم اكملت لكم دينكم00الآية . وأمر الإمامة في تمام الدين .

الطالقاني فقد عرفت حاله، وبقية رجال السند لم يترجم لهم أحد، عدا عبدالعزيز بن مسلم وهو مجهول الحال .

الرواية الثانية والعشرون: الصدوق: أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثني احمد بن الحسين بن سعيد، قال: حدثني احمد بن إبراهيم، واحمد بن زكريا، عن محمد بن نعيم عن يزداد بن إبراهيم عمن حدثه من أصحابنا عن أبي عبدالله عن علي قال في حديث طويل في آخره: وإن بولايتي اكمل الله لهذه الأمة دينهم، واتم عليهم النعم ورضي اسلامهم إذ يقول يوم الولاية لمحمد : يا محمد أخبرهم إني اكملت لهم اليوم دينهم ورضيت لهم الاسلام دينا واتممت عليهم نعمتي، كل ذلك منّ من الله به عليّ فله الحمد

أحمد بن الحسين بن سعيد هو بن مهران الاهوازي ضعفوه وقالوا: هو غال وحديثه يعرف وينكر، ولا يعمل برواياته، واحمد بن زكريا مجهول، وكل من كان بهذا الإسم مجهول، وكذا حال ابن نعيم، ويزداد هذا لا يعرف من هو، وكذا عمن حدثه0

الرواية الثالثة والعشرون: الصدوق: حدثنا علي بن احمد بن عبدالله البرقي، عن أبيه، محمد بن خالد البرقي، قال: حدثنا سهل بن مرزبان الفارسي، قال: حدثنا محمد بن منصور، عن عبدالله بن جعفر، عن محمد بن الفيض بن المختار، عن أبيه، عن الباقر، عن أبيه، عن جده، قال: أن رسول الله قال في حديث طويل لعلي: ولقد أنزل الله الى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك، يعني في ولايتك يا علي، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، ولو لم أبلغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي .

البرقي وأبوه مرّ الكلام فيهما، والفارسي لم أجد له ترجمة وإن كان سهل بن بحر الفارسي، ولا أظنه فهو مجهول وابن الفيض مجهول، وأبوه ورد فيه مايدل عل ذمه .

الرواية الرابعة والعشرون: الصدوق: حدثنا أبي، ومحمد بن الحسن y قالا: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن اذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي قال: رأيت عليا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون العلم والفقه، فذكر حديثا طويلا فيه ذكر علي لقصة غدير خم ونزول قوله تعالى: اليوم اكملت لكم دينكم00الآية، وتكبير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقوله: الله أكبر بتمام النعمة وكمال نبوتي ودين الله عزوجل وولاية علي بعدي 0

حماد بن عيسى ضعف الخوئي كل طرق الطوسي إليه ، وإبن عياش وسليم قد مر الكلام فيهما0

الرواية الخامسة والعشرون: الصدوق، حدثنا الحسن بن محمد بن الحسن السكوني في منزله بالكوفة قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن يحيي النيسابوري قال: حدثنا أبوجعفر بن السري، وابونصر بن موسى بن ايوب الخلال قال: حدثنا علي بن سعيد قال: حدثنا ضمرة بن شوذب، عن مطر، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة قال: من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم لما أخذ رسول الله بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال0وذكر القصة ونزول آية الإكمال 0 السكوني، ون كان من مشايخ الصدوق إلا أنه مجهول الحال . وكذا حال ابن حوشب ، ولم اعثر على تراجم بقية رجال السند0

الرواية السادسة والعشرون: الصدوق: الدقاق، عن الكليني، عن علي بن محمد، عن اسحاق بن اسماعيل النيسابوري، إن الحسن بن علي y قال في حديث طويل: فلما من الله عليكم باقامة الأولياء بعد نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم قال الله عزوجل : اليوم اكملت لكم دينكم00الآية 0

حسب السند الدقاق، علي بن احمد، لم يرد فيه سوي القول بأنه من مشايخ الصدوق، وقد أوقفناك علي القول في هذا0

الرواية السابعة والعشرون: الكليني: محمد بن يحيي، عن احمد بن محمد، ومحمد بن الحسين جميعا عن محمد بن اسماعيل بن بزيغ عن منصور بن يونس عن أبي الجارود عن أبي جعفر قال: سمعت اباجعفر يقول: فرض الله عزوجل على العباد خمسا، أخذوا أربعا وتركوا واحدا - إلى قوله- ثم نزلت الولاية وانما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة، أنزل الله : اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي، وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب فقال عند ذلك رسول صلى الله عليه وآله وسلم : أمتي حديثوا عهد بالجاهلية ومتي أخبرهم بهذا في ابن عمي يقول قائل ويقول قائل- فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني فأتتني عزيمة من الله عزوجل ، وأوعدني إن لم ابلغ أن يعذبني فنزلت: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين، فذكر القصة 0 أحمد بن محمد بن عيسى، ذكر الكليني رواية في ذمه وأنه كان شديد التعصب في العروبة . أما منصور فقد ذكر الكشي والصدوق ما يدل على ذمه، وقد ذكرنا ذلك في الباب الأول . و أبوالجارود تكلمنا فيه فيما مضي0

الرواية الثامنة والعشرون: الكليني: الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد عن محمد بن جمهور، عن محمد بن اسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر مثله 0 السند هذا كسابقه، ومعلي بن محمد مضطرب الحديث والمذهب، وقد مرّ ذكره . وابن جمهور قال فيه القوم ضعيف في الحديث، فاسد المذهب. وقيل فيه اشياء، الله اعلم بها من عظمها، غال، له اشعار، يحلل فيه محرمات الله عزوجل .

رغم كل هذا وثقه الخوئي وكذا فعل مع معلي بن محمد فقط لورودهما في إسناد كامل الزيارات .

وعلي أي حال تكلمنا في ذلك0

الرواية التاسعة والعشرون: الكليني: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بن أبي عمير عن عمر بن اذينة عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن اعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأي الجارود جميعا عـن أبي جعفر قال: أمـر الله عزوجل رسولـه بولايـة علي وأنـزل عليه: إنما وليكم الله00الآية، وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أن يفسر لهم الولاية، كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج، فلما اتاه ذلك من الله، ضاق بذلك صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاوحي الله إليه: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك00الآية، فذكر قصة الغدير، ثم قال: وكانت الولاية آخر الفرائض فانزل الله : اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي 0

والد القمي، وابن مسلم، وأبوالجارود مر ذكرهم، وزرارة إختلف القوم فيه .

وكذا الحال مع بريد بن معاوية البجلي .

الرواية الثلاثون: الكليني: محمد بن الحسين وغيره، عن سهل، عن محمد بن عيسى ومحمد بن يحيي ومحمد بن الحسين جميعا عن محمد بن سنان عن اسماعيل بن جابر وعبدالكريم بن عمرو عن عبدالحميد بن أبي الديلم عن أبي عبدالله في حديث طويل يقول فيه: فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين، فنادي الناس فاجتمعوا00فذكر القصه 0

سهل هذا ضعيف الحديث غير معتمد عليه ومتهم بالغلو والكذب .

ومحمد بن سنان وإن اختلف فيه إلا أن ابن عقدة والنجاشي والطوسي، والمفيد وابن الغضائري ضعفوه، وأن الفضل بن شـاذان عـده مـن الكذابيـن .

وعبدالكريم واقفي خبيث كما ذكر الطوسي. وكذا ذكر وقفه النجاشي، والكشي، رغم هذا عد من الفقهاء الاعلام والرؤساء الماخوذ عنهم الحلال والحرام .

وابن أبي الديلم ضعيف .

الرواية الحادية والثلاثون: الكليني: محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي، عن الحسين بن النضر الفهري، عن أبي عمرو الاوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر أن أمير المؤمنين خطب الناس بالمدينة - فذكر خطبة الوسيلة وهي طويلة ذكر فيها قصة الغدير، ثم قال: وأنزل الله عزوجل في ذلك اليوم: اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا، فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الرب جل ذكره . ابن معمر مجهول . وكذا شأن ابن عكايه التميمي

والفهري ، والاوزاعي ، وعمرو بن شمر ضعيف جدا ، وجابر بن يزيد مختلف فيه .

الرواية الثانية والثلاثون: العياشي، عن جعفر بن محمد الخزاعي عن أبيه قال: سمعت أباعبدالله يقول: لما نزل رسول الله عرفات يوم الجمعة أتاه جبرئيل عليه السلام فقال له يا محمد: إن الله يقرؤك السلام ويقول لك: قل لأمتك: اليوم اكملت لكم دينكم بولاية علي بن أبي طالب واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا، ولست أنزل عليكم بعـد هذا، قـد

أنزلت عليكم الصلاة والزكاة والصوم والحج وهي الخامسة، ولست أقبل هذه الأربعة الا بها .

الرواية الثالثة والثلاثون: العياشي: عن اذينة قال: سمعت زرارة عن أبي جعفر: إن الفريضة كانت تنزل ثم تنزل الفريضة الأخرى، فكانت الولاية آخر الفرائض، فانزل الله تعالى: اليوم اكملت لكم دينكم ولتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا .

الرواية الرابعة والثلاثون: العياشي: عن أبي صالح عن إبن عباس وجابر بن عبدالله قالا: أمر الله محمدا أن ينصب علياً للناس ليخبرهم بولايته، فتخوف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقولوا: حامي - وفي نسخة خابي، وفي أخرى جائنا - ابن عمه، وأن تطغوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه: يا أيها الرسول بلع ما أنزل إليك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بولايته يوم غدير خم .

الرواية الخامسة والثلاثون: العياشي: عن صفوان بن الجمال قال: قال أبوعبدالله: لما نزلت هذه الآية بالولاية أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدوحات دوحات غدير خم فقممن، ثم نادي: الصلاة جامعة، ثم قال: أيها الناس ألست أولى بالمؤمنين من انفسهم00 القصة .

الرواية السادسة والثلاثون: العياشي: عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفرقال: لما نزل جبرئيل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع باعلان أمر علي بن أبي طالب: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك00الآية . قال: فمكث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثا حتى أتى الجحفة، فلم يأخذ بيده فرقا من الناس، فلما نزل الجحفة يوم الغدير في مكان يقال له مهيعة فنادى: الصلاة جامعة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من أولى بكم من انفسكم؟... القصة .

الرواية السابعة والثلاثون: العياشي: عن عمر بن يزيد قال: قال أبوعبدالله: ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج من المدينة حاجا ومعه خمسة آلاف، ورجع من مكة وقد شيعه خمسة آلاف من اهل مكة، فلما انتهى إلى الجحفة نزل جبريل بولاية علي وقد كانت نزلت ولايته بمنى وامتنع رسول الله من القيام بها لمكان الناس، فقال: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك00الآية .

الرواية الثامنة والثلاثون: العياشي: عن زياد بن المنذر أبي الجارود صاحب الدمدمة الجارودية قال: كنت عند أبي جعفر محمد بن علي بالابطح وهو يحدث الناس: فذكر حديثا طويلا فيه أن جبرئيل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة والزكاة والصيام والحج- إلى أن قال-: ثم أتاه فقال: إن الله تبارك تعالى يأمرك أن تدل أمتك من وليهم على مثل ما دللتهم عليه في صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجهم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : رب أمتي حديثو عهد بالجاهلية، فانزل الله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل من ربك00 الآية ..

الرواية التاسعة والثلاثون: العياشي: عن أبي الجارود عن أبي جعفر قال: لما أنزل الله علي نبيه: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك00الآية، 00 فذكر قصة الغدير .

الرواية الأربعون: العياشي: عن المفضل بن صالح عن بعض أصحابه عن احدهما قال: أنه لما نزلت هذه الآية: إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا، شقّ ذلك على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخشي أن تكذبه قريش، فانزل الله: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك00الآية، فقام بذلك يوم غدير خم 0 الروايات السابقه كلها من مرويات العياشي الذي ذكرنا فيه أنه كان يروي عن الضعفاء كثيرا، وأن تفسيره هذا محذوف الأسانيد كما ترى. فضلا عن أنه حوى على الكثير من مسائل التحريف والطعن في سلف هذه الامه. والغلو، وغيرها من عقائد فاسده تماما كشأن تفسير القمي .ولا يتسع المقام هنا لبيان ذلك، وبقية من ذكروا في الأسانيد بين مجاهيل ومتروكين، فالخزاعي مجهول . كحال أبيه، وزرارة مختلف فيه كما مرّ . وابن سدير واقفي . وأبوه وردت في ذمه روايات . وابن يزيد مختلف فيه . وابن صالح ضعيف، كذاب، يضع الحديث . أما عن بعض أصحابه فلا يدرى من هم . وعلى أي حال انقطاع معظم أسانيد الروايات السابقه يفقدها الحجيه في مواطن الخلاف كالذي نحن فيه الآن0

الرواية الحادية والأربعون: الطوسي: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدثنا أبومحمد الفضل بن محمد بن المسيب الشعراني بجرجان، قال: حدثنا هارون بن عمر بن عبدالعزيز بن محمد أبوموسى المجاشعي، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد، عن أبيه أبي عبدالله، عن علي أمير المؤمنين قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: بني الاسلام على خمس خصال - فذكر الصلاة والزكاة والصيام والحج وختم ذلك بالولاية، فانزل الله عزوجل : اليوم اكملت لكم دينكم00الآية 0

أبي المفضل مرّ الكلام فيه، والشعراني لم أجد له ترجمة، والمجاشعي مجهول . ومحمد بن جعفر وإن كان بن الصادق إلا أنه وردت في ذمه روايات .

الرواية الثانية والأربعون: الطوسي: أخبرنا أبوعبدالله محمد بن محمد بن النعمان، قال: أخبرنا أبوالحسن احمد بن محمد بن الوليد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن المفضل بن عمر، عن الصادق قال: قال أمير المؤمنين: بولايتي اكمل الله لهذه الأمة دينهم واتم عليهم النعم، ورضي لهم اسلامهم، إذ يقول يوم الولاية لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم : يا محمد أخبرهم إني اكملت لهم اليوم دينهم واتممت عليهم النعم ورضيت لهم اسلامهم، كل ذلك من الله به علي فله الحمد .

أبوالحسن بن الوليد مجهول الحال رغم توثيق البعض له دون مستند، حتى قال الخوئي في ذلك: لا يمكننا الحكم بوثاقته، ثم فند أقوال القائلين بتوثيقه إلى أن خلص إلى القول: أنه لم تثبت وثاقة الرجل بوجه . وقد التبس أمر صاحبنا أبي الحسن على مصنف كتاب معلم الشيعة الشيخ المفيد. فأورد في ترجمة شيوخه قول صاحب الكنى والألقاب في أبيه، أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد من أنه شيخ القمييـن وفقيهـهـم ومتقدمهـم ووجههم ثقة ثقة عين مسكون إليه . أما بقية رجال السند فقد تكلمنا فيهم .

والمفضل بن عمر قيل فيه: فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لايعبأ به، ضعيف، متهافت، مرتفع القول، لا يجوز أن يكتب حديثه، بل كفر ولعن على لسان أبي عبدالله ودعا إلى لعنه والبراءة منه .

الرواية الثالثة والأربعون: الطوسي: أخبرنا الحسين بن عبيدالله، عن علي بن محمد العلوي، قال: حدثنا الحسن بن العلي بن الصالح بن الصالح بن شعيب الجوهري، قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن محمد بن محمد، عن اسحاق بن اسماعيل النيسابوري، عن الصادق جعفر بـن محمد، عـن أبيه، عن آبائـه قال : حدثنا الحسن بن علي قـال في حديـث

طويل أن الله لما من عليكم باقامة الأولياء بعد نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم قال: اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي00الآية 0 العلوي مجهول . وكذا الجوهري .

والنيسابوري إنما هو من أصحاب العسكري . ولا أعرف وجها لروايته هنا عن الصادق ولعل في السند انقطاع، وعلى أي حال كتاب الأمالي نفسه الذي نقلنا منه الروايات السابقة فيه كلام ونظر عند القوم انفسهم .

الرواية الرابعة والأربعون: الطوسي: الحسين بن الحسن الحسيني، قال: حدثنا محمد بن موسى الهمداني، قال: حدثنا علي بن حسان الواسطي، قال: حدثنا علي بن الحسين العبدي قال: سمعت أباعبدالله الصادق يقول: فذكر حديثا طويلا في فضائل يوم غدير فيه: واشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عبدك ورسولك، واشهد أن علياً أمير المؤمنين ووليهم ومولاهم، ربنا إننا سمعنا بالنداء وصدقنا المنادي رسول الله الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إذ نادى بنداء عنك بالذي أمرته به أن يبلغ ما أنزلت إليه من ولاية ولي أمرك فخذرته وانذرته إن لم يبلغ أن تسخط عليه - إلى أن قال - وأن الاقرار بولايته تمام توحيدك والاخلاص بوحدانيتك وكمال دينك وتمام نعمتك وفضلك على جميع خلقك وبريتك، فانك قلت وقولك الحق: اليوم اكملت لكم دينكم00الآية .

آفة الرواية هذه الهمداني، فقد قيل فيه: أنه غال، وكان يضع الحديث، وأنه ضعيف، يروي عن الضعفاء، بل قال الصدوق في سند روايتنا هذه: فإن شيخنا محمد بن الحسن كان لا يصححه ويقول: أنه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة، وفي نسخة: كذابا . والعبدي مجهول .

الرواية الخامسة والأربعون: علي بن عبدالله الزيادي، عن جعفر بن محمد الدوريستي، عن أبيه، عن الصدوق، عن أبيه، عن سعيد، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زرارة قال: سمعت الصادق قال: فذكر أن جبرئيل جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: يا رسول الله ان الله تعالى يقرؤك السلام، وقرأ هذه الآية( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك) فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرئيل إن الناس حديثو عهد بالاسلام فاخشى أن يضطربوا ولا يطيعوا، فعرج جبرئيل عليه السلام إلى مكانه ونزل عليه في اليوم الثاني، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نازلا بغدير، فقال له: يا محمد، قال الله تعالى:( يأيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)، فقال له: يا جبرئيل أخشى من أصحابي أن يخالفوني، فعرج جبرئيل ونزل عليه في اليوم الثالث وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بموضع يقال له غدير خم وقال له: يا رسول الله، قال الله تعالى:( يـأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)، فلما سمع رسول الله هذه المقالة قال للناس: انيخوا ناقتي فوالله ما أبرح من هذا المكان حتى ابلغ رسالة ربي00 فذكر بقية قصة الغدير 0 الزيادي لم اجد له ترجمة، وكذا الدوريستي الأب، وابن أبي الخطاب الاب مجهول . وابن سنان وزرارة سبق ذكرهما0

الرواية السادسة والأربعون: الطبرسي: حدثنا أبوالحمد مهدي بن نزار الحسيني قال: حدثنا أبوالقاسم عبيد الله بن عبدالله الحسكاني قال: أخبرنا أبوعبدالله الشيرازي قال: أخبرنا أبوبكر الجرجاني قال: حدثنا أبواحمد البصري قال: حدثنا احمد بن عمار بن خالد قال: حدثنا يحيي بن عبدالحميد الحماني قال: حدثنا قيس بن الربيع عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت هذه الآية قال الله أكبر على اكمال الدين واتمام النعمة ورضا الرب برسالتي وولاية علي بن أبي طالب من بعدي وقال من كنت مولاه00فذكر الحديث 0 مرّ بيان جهالة وضعف الحماني، وابن الربيع، والعبدي، وبقية رجال السند لم أقف على ذكر أكثرهم0

الرواية السابعة والأربعون: الطبرسي صاحب الإحتجاج: حدثني السيد العالم العابد أبوجعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني المرعشي قال: أخبرنا الشيخ أبوعلي الحسن بن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي قال: أخبرني الشيخ السعيد الوالد أبوجعفر قدس الله روحه، قال: أخبرني جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري قال: أخبرنا أبوعلي محمد بن همام، قال: أخبرنا علي السوري، قال: أخبرنا أبومحمد العلوي من ولد الأفطس وكان من عباد الله الصالحين، قال: حدثنا محمد بن موسى الهمداني، قال: حدثنا محمد بن خالد الطيالسي، قال: حدثنا سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعا، عن قيس بن سمعان، عن علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر محمد بن علي أنه قال: ثم ذكر رواية طويلة جدا جاوزت عشر صفحات لحديث لم يتجاوز الكلمات التي مرّت بك في مقدمة هذا الإستدلال. والذي يهمنا منها ذكره أن جبرئيل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله تعالى: إني لم اقبض نبيا من الأنبياء إلا بعد اكمال ديني وحجتي واتمام نعمتي بولاية أوليائي ومعاداة أعدائي، وذلك كمال توحيـدي وديني واتمـام نعمتـي على خلقـي باتبـاع وليي وطاعته وذلك إني لا أترك أرضي بغير ولي ولا قيم ليكون حجة لي على خلقي، فاليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا بولاية وليي - إلى أن قال - فخشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قومه وأهل النفاق والشقاق أن يتفرقوا ويرجعوا إلى الجاهلية لما عرف من عدواتهم ولما ينطوي عليه انفسهم لعلي من العداوة والبغضاء، وسال جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس وأنتظر أن ياتيه جبرئيل عليه السلام بالعصمة من الناس عن الله جل اسمه، فاخر ذلك إلى أن بلغ مسجد الخيف، فأتاه جبرئيل عليه السلام في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده ويقيم عليا علما للناس يهتدون به، ولم ياته بالعصمة من الله عزوجل بالذي أراد حتى بلغ كراع الغميم بين مكة والمدينة، فاتاه جبرئيل فأمره بالذي أتاه فيه من قبل ولم ياته بالعصمة، فقال: يا جبرئيل إني اخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي، فرحل فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة اميال أتاه جبرئيل على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس، فقال: يا محمد ان الله عزوجل يقرؤك السلام ويقول لك:( يـأيها الرسول بلـغ ما أنـزل إليـك من ربـك في علي وإن لم تفعل فمـا بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)، وكان أوائلهم قريبا من الجحفة، فأمره أن يرد من قدم منهم ويحبس من تأخر عنهم في ذلك المكان ليقيم علياً علما للناس، ويبلغهم ما أنزل الله في علي00فذكر بقية القصة 0

أقول: أغنانا محقق الإحتجاج عن دراسة سند روايتنا هذه، حيث ذكر أن فيها من ليس لهم ترجمة، كالسوري، وابن سمعان، ومجاهيل كالطيالسي، والحضرمي، وضعفاء كالهمداني، الذي مرّ ذكره آنفا، ولكن فاته أمور: منها أنه لم يذكر قول ابن الغضائري، وابن داود وغيرهما في صالح بن عقبة من أنه غال كذاب لا يلتفت إليه، وليس حديثه بشيء وإنه كثير المناكير . ومنها أن ولد الأفطس ليس هو يحي المكني أبا محمد العلوي كما استظهر الخوئي لاختلاف الطبقة ، والظاهر أن الرجل مجهول ولا عبرة بتوثيق الطبرسي له .

الرواية الثامنة والأربعون: محمد بن العباس عن محمد بن القاسم عن عبيد بن سالم عن جعفر بن عبدالله المحمدي عن الحسن بن اسماعيل عن أبي موسى المشرقاني قال: وذكر رواية فيها نزول آية التبليغ في شأن الغدير 0

عبيد بن سالم إن كان العجلي فهو مجهول، ولا توجد ترجمة بهذا الإسم لغيره . والمحمدي لا يعرف من هو على وجه التحديد . والحسن بن الأفطس لم أجد له ترجمة، وكذا المشرقاني0

الرواية التاسعة والأربعون: الحلي: المظفر بن جعفر بن الحسين، عن محمد بن معمر، عن حمدان المعافي، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن جده قال: فذكر رواية طويلة فيها نزول اية التبليغ في شأن الغدير 0

المظفر لم اجد له ترجمة، وبن معمر مجهول ، وكذا حال المعافي .

وبعد، فهذه هي جل الروايات التي أوردها القوم في اثبات نزول آيتي التبليغ، واكمال الدين في شأن غدير خم، والذي وقفنا عليها من كتبهم حتى القرن السادس. وقد رأيت أنه لم يصح منها شيء البتة، ناهيك عن القول بتواترها بزعم القوم. وليت شعري هل يدلونا ولو على رواية واحدة على الأقل صحت في هذا الباب، . أو على ما أوردوه من فضائل يوم الغدير والذي ذكرنا بعضا منها في مقدمة هذا الإستدلال، وأعرضنا عن بيان تهافت أسانيدها لفسادها البين، أو رواية مسنده معتبره لتلك التهويلات المصطنعة والتكلف الواضح كما في بعض الروايات التي وضعوها لتناسب مزاعمهم في شأن القصة من رد من تقدم من القوم وحبس من تأخر، وأنه كان يوما هاجرا يضع الرجل بعض رداؤه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء إلى آخر ما نسجته خيالاتهم، وأن حسان بن ثابت أنشد في ذلك أبياتا معروفة، وغيرها من مسائل أوهموا الخلق، او هكذا ظنوا أنها من المسلمات عند جميع المسلمين بتفاصيلها المزعومة عند القوم. وإن كتب أهل السنة طافحه بذكرها، دون بيان الفرق بين الايعاز والتخريج كما ذكرنا، ودون بيان أن ما أورده أهل السنة إنما كان على سبيل ذكر كل ما له صلة بالباب الذي يصنفون فيه، وليس بالضرورة اعتقادهم بصحة ما أوردوه فيه، وهذا هو علة إيراد مؤرخي ومحدثي المسلمين قاطبة من شيعة وسنة للروايات بأسانيدها، عملا بمبدأ أن من أسند فقد برئت ذمته، وإنما على المحقق أن يتبين صحة تلك المرويات بعد دراسة أسانيدها. وليت الأميني الذي سود أو سود له كل هذه الصفحات من غديره، بين لنا أهمية ذكر الأسانيد التي تشغل عادة لو جمعت، مجلدا أو أكثر من أصل مجموع المصنف ذاته .وليته أخبرنا عن كل تلك المصنفات التي وضعها أضرابه في علم الرجال، حتى جمعها آقابزرك الطهراني فبلغت المئات ، لماذا وضعت ؟، لو كانت المسالة ببساطة نقل الأميني وأمثاله للروايات دون بيان صحتها، إلا فيما يتعارض مع معتقدهم . وعلى أي حال فقد أوقفناك على حال روايات القوم فيما زعموه ورأيت أنه لم يصح منها شييء من طرقهم فكيف بطرق مخالفيهم، وبينا أن الصحيح الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حق علي قوله: من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وغيره من ألفاظ قريبة كما ذكرنا . وردت من طرق يشد بعضها بعضا، فإذا عرفت هذا فيكون الكلام في ما صح من أمر الغدير وبيان وجه الإستدلال به: ولكن قبل هذا، لا أرى بأسا من تعليق بسيط فيما يتعلق بشأن زعم نزول الآيتين الكريمتين ( التبليغ واكمال الدين)، في قصة الغدير، فأقول أن القوم أثبتوا في كتبهم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتحارسه أصحابه فأنزل الله ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك00الآية) فترك الحرس حين أخبره تعالى أنه يعصمه من الناس لقوله ( والله يعصمك من الناس) .وفي رواية: قال لحراس من أصحابه كانوا يحرسونه منهم سعد وحذيفة: الحقوا بملاحقكم، فإن الله سبحانه عصمني من الناس، وغيرها .وهذا تماما ما اثبته أهل السنة في كتبهم من طرق صحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أضف إلى ذلك ان سورة المائدة التي منها هاتان الآيتان من السور المدنية، إلا آية اكمال الدين .وقد اثبت القوم ذلك في تفاسيرهم . وهو الصحيح، وآية اكمال الدين هذه نزلت يوم عرفات، كما ثبت بالنقل الصحيح، وقد سلم القوم بذلك .فتبين عندك أنه لم ينزل يوم الغدير الذي هو يوم الثامن عشر من ذي الحجة، شييء من القرآن، وحسب هذا الإستدلال كل هذا الاضطراب. وهذا أيضا يجرنا إلى القول أن ما أنزل الله بشأنه آية اكمال الدين يوم عرفة إنما كان ركن الحج الذي هو آخر أركان الدين، نعم نزلت بعض مسائل الحلال والحرام بعدها، وانما القول هنا بإكمال أركان الاسلام، وهذا يعني أن الغدير وما كان فيه لم يكن من أركان الاسلام، هذا إن كان فيه أصلا ما يفيد ذلك، وستقف على خلافه. وكان للقوم في هذا الإشكال، أعني إن أركان الاسلام اكتملت بركن الحج ونزول آية الإكمال وهي تفيد الحصر الزمني بذلك اليوم والإكمال بصيغة وقوع الفعل لقوله اليوم اكملت، أي إن يوم اكمال الدين إنما كان يوم عرفة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة وليس يوم الغدير وهو اليوم الثامن عشر منه .

أقول: وقد كان للقوم في هذا الإشكال اضطراب بين وتكلف واضح في رده، منها قول أحدهم أنه من الجائز أن ينزل الله سبحانه معظم السورة وفيه قوله ( اليوم اكملت لكم دينكم00الآية) وينزل معه أمر الولاية كل ذلك يوم عرفة فأخر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيان الولاية إلى غدير خم، وقد كان تلا آيتها يوم عرفة . وقبله نسبوا إلى الباقر أنه قال في حديث طويل عما فرض الله عزوجل على العباد، ثم نزلت الولاية وإنما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة، أنزل الله عزوجل : اليوم اكملت لكم دينكم00الآية وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب00 . فأنت ترى هنا تصريحا بنزولها يوم عرفة، أي يوم التاسع من ذي الحجة، فكيف يزعم القوم من إنها نزلت يوم الثامن عشر منه، أي يوم الغدير، وقد رد البعض على هذه الرواية من إن عرفة يحتمل أن تكون هنا بالضم، وهي اسم لثلاثة عشر موضعا، فلا يبعد أن يكون أحدها قريبا من غدير خم . والقوم معذورون0

ثم لا أدري كيف يمكن تلاوة آية تفيد وقوع الإكمال للدين وفي يوم محدد وهو يوم عرفة، في هذا الحشد الهائل ممن كان معه صلى الله عليه وآله وسلم والذي بلغ في رواية تسعون ألف .وفي أخرى: مائة ألف وأربعة عشر ألف، وأخرى: مائة ألف وعشرون الفا، وأخرى: مائة الف وأربعة وعشرون ألفا، وقيل غير ذلك .

وبعد بيان مناسك الحج آخر الأركان، وذكر القواعد العامة للاسلام كما جاء في خطبة الوداع بإتفاق المسلمين، وقوله : ألا هل بلغت، ألا هل بلغت، فقال من حضر: نعم، فقال: اللهم اشهد، وأمر بتبليغ الحاضر للغائب، ويكون مما أمر بتبليغه حصل ذلك اليوم، ولا أدري كيف يكون هذا، ثم يأتي قائل فيقول ان أمر الولاية نزل يوم عرفة فأخر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيان ذلك حتى بلغ غدير خم الذي يقع على بعد عشرة فراسخ من المدينة وعلى أربعة أميال من الجحفة، حيث أن كثيرا من الذين حجوا معه أو أكثرهم لم يكونوا معه يوم الغدير، بل بقي أهل مكة في موطنهم ورجع أهل الطائف وأهل اليمن وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى مواطنهم، وإنما رجع معه أهل المدينة ومن كان قريبا منها، حيث لم يبق معه يوم الغدير حسب روايات القوم سوى اثني عشر ألف رجل، أو عشرة الآف رجل .

كما في أخرى، أو ألف وثلاثمائة رجل، كما في روايه الباقر .

من أصل المائة ألف وأربعة وعشرون ألف الذين كانوا معه يوم عرفه، كما مرّ بك، فدل ذلك على أن ما جرى يوم الغدير لم يكن مما أمر بتبليغه كالذي بلغه صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع والذي لم يصح فيه ذكر لعلي رضي الله عنه وأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : هل بلغت، دليل على أن الله عزوجل ضمن له العصمة من الناس إذا بلغ الرسالة، مما يدل على أن نزول آية التبليغ سابقة ليوم عرفة فضلا عن يوم الغدير، حيث لم يكن خائفا من أحد يحتاج أن يعتصم منه، بل كل من كان معه مسلمون منقادون له، ليس فيهم كافر، والمنافقون مقموعون مسرون للنفاق ليس فيهم من يحاربه ولا من يخاف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منه. كما قيل في ذلك.

ومن الطرائف أن القوم ملؤوا كتبهم من حماس النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ ولاية علي رضي الله عنه إلى قومه قبل ذلك بكثير، خلافا لمشيئة الله عزوجل الذي نرى في استدلالنا هنا أن الآية قد انقلبت

تماما، من ذلك: ما نسبوه إلى الباقر أنه قال في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا ) قال: لا تجهر بولاية علي فهو الصلاة، ولا بما اكرمتك به حتى آمرك، فأما قوله ( وابتغ بين ذلك سبيلا ) يقول: تسألني أن آذن لك أن تجهر بأمر علي بولايته، فأذن له باظهار ذلك يوم غدير خم، فهو قوله يومئذ: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه 0

فأنت ترى أنه صلى الله عليه وآله وسلم بزعم القوم أراد ابلاغ ولاية علي رضي الله عنه قبل الغدير بأكثر من عشر سنوات إذا علمنا أن سورة الإسراء التي منها هذه الآية من السور المكية0 بل نراه يوم عرفة غير هائب لقومه في بيان فضائل عليرضي الله عنه على الملأ كما يروي القوم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: إني رسول الله إليكم غير هائب لقومي ولا محاب لقرابتي هذا جبرئيل يخبرني أن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب علياً في حياتي وبعد موتي ، ثم يقولون بتردده حتى يوم الغدير، والغريب أن القوم وهم يقولون بعصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة بالصورة التي ذكرناها لك عند الكلام في آية التطهير، وبالرغم في استماتتهم في رد كل ما ينافي تلك العصمة، نراهم هنا يستميتون في بيان خلاف ذلك، لأنهم يرون أن في ذلك خدمة لمعتقدهم، فلم نر احدا منهم رد علي هذا الأمر الذي فيه خلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ أمر من امور الشرع، حتى بدأ الناس ينفضون من حوله ويعودون إلى اوطانهم، حتى لم يبق معه سوى القليل، وكان جبرئيل عليه السلام ينزل المرة تلو الأخرى بالأمر بتبليغ رسالة ربه، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يتردد، حتى استوجب غضب الله عزوجل وتهديده، حتى قال هو صلى الله عليه وآله وسلم كما مرّ بك بزعم القوم: تهديد بعد وعيد، لأمضين أمر الله عزوجل ، فإن يتهموني ويكذبوني فهو أهون عليّ من أن يعاقبني العقوبة الموجبة في الدنيا والآخرة، فلم نجد أحدا منهم رد هذا الخلاف البين المنافي للعصمة .

بل نرى العكس، فقد وضعوا في إثبات ذلك روايات عدة، منها ما هو في غير هذه المناسبة، بل أن ذلك كان منه صلى الله عليه وآله وسلم بزعمهم منذ بدء الدعوة .

فمن هذه الروايات: عن عليرضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : {وأنذر عشيرتك الأقربين}، دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي: ياعلي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين0 قال: فضقت بذلك ذرعا وعرفت إني متى اناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمت على ذلك وجاءني جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك عزوجل ... . وعن جابر الجعفي قال: قرأت عند أبي جعفر قول الله تعالى: { ليس لك من الأمر شيء }[ آل عمران/ 182]، قال: بلى والله أن له من الأمر شيئا وشيئا وشيئا، وليس حيث ذهبت ولكني أخبرك - ثم ذكر أن الله عزوجل أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم باظهار ولاية علي رضي الله عنه ففكر في عداوة قومه له ومعرفته بهم، - إلى أن قال - ضاق عن ذلك صدره فأخبر الله أنه ليس من هذا الأمر شييء( )0

ومنها أن جبرئيل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد إن ربك يقـرؤك أن قومي حديثو عهد بالجاهلية، ضربتهم على الدين طوعا وكرها حتى انقادوا لي، فكيف إذا حملت على رقابهم غيري ؟ وفي رواية قال: يا جبرئيل أخاف من تشتت قلوب القوم.

وفي رواية: وبكى فقال له جبرئيل عليه السلام : مالك يا محمد اجزعت من أمر الله؟ فقال: كلا يا جبرئيل ولكن قد علم ربي ما لقيت من قريش إذ لم يقروا لي بالرسالة حتى أمرني بجهادي، وأهبط إلى جنودا من السماء فنصروني، فكيف يقروا لعلي من بعدي ؟ فانصرف عنه جبرئيل ثم نزل عليه :{ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق بك صدرك } [هود /12] .

وفي أخرى متصلة بالغدير، عن الباقر قال: فلم يبلغ ذلك وخاف الناس. وفي أخرى: وامتنع رسول الله من القيام بها لمكان الناس . بل وجعلوا ذلك في ادعية يوم الغدير حيث ذكروا في ذلك عن الصادق في دعاء طويل فيه: أمرته أن يبلغ عنك ما أنزلت إليه من مولاة ولي المؤمنين وحذرته وانذرته إن لم يبلغ أن تسخط عليه . وهكذا، بل وذكروا أن حفيد ابليس كان احرص على ذلك منه صلى الله عليه وآله وسلم ، حيث رووا أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسلم عليه وقال: من تكون ؟ فقال: أنـا الهام بن الهيم بن لاقيس بن إبليس، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : بينك وبين إبليس أبوان ؟ قال: نعم يا رسول الله - فذكر حديثا طويلا – فيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل الهام حاجتة ؟ فقال: حاجتي أن تأمر أمتك أن لا يخالفوا أمر الوصي وغيرها . فكيف يقرون بصدور كل هذا منه صلى الله عليه وآله وسلم من تردد وخشية الناس، وهو الذي نزل عليه قوله تعالى:{ وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} [الأحزاب/ 37 ]. في مسألة من المباحات، بينما نجده هنا في مسألة من أعظم أركان الدين بزعم القوم0 ومن الطرائف أن من قال من المسلمين بجواز الخطأ على الانبياء إنما قال ذلك في الجانب البشري، لا التشريعي أو فيما يبلغه صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه، خلافا لمعتقد القوم في العصمة من أن الأنبياء والأئمة معصومون مطهرون من كل دنس، وانهم لا يذنبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ومن نفى عنهم العصمة في شييء من أحوالهم فقد جهلهم، وأن ذلك يكون قبل النبوة والإمامة وبعدها، بل من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه، فلا يقع منهم ذنب أصلا لا عمدا ولا نسيانا ولا لخطأ في التأويل ولا للإسهاء من الله سبحانه00إلى آخر ما قالوه في هذا الشأن، وقد مرّ بك. ولكن تراهم هنا قد تغاضوا عن كل ما بنوه واسسوه، وجوزوا ذلك عليه وفي الجانب التبليغي. وهذا من عجائب التناقضات عند القوم وما أكثرها0

نعود إلى الكلام ايضا في شأن هذه الآية، اعني آية التبليغ، فالإستدلال هنا كما ترى وكما ذكرنا، إنما هو بالقرآن، والآية عامة في كل ما نزل، وليس فيها ذكر لشييء معين .

وما ذهب إليه القوم هو الإستدلال بالخبر لا بالقرآن لخلوه من ذكر علي رضي الله عنه وعندما تفطن بعضهم إلى هذا، مع يقينهم بعدم صحة كل ما أوردوه في إثبات نزول الآية في هذا المقام، كما مرّ بك. ذهب إلى القول بأن إسم علي رضي الله عنه كان من ضمن ألفاظ الآية إلا أنه حذف، ومن ذلك قول القمي صاحب التفسير في مقدمته: واما ما هو محرف، منه قوله ( يا أيها الرسول بلغ ما بلغ ما أنزل اليك من ربك في علي وان لم تفعل فما بلغت رسالته ) .

ومنها ما رووه عن زرارة عن أبي عبدالله قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : {يـأيها الرسول بلع ما أنزل إليك من ربك إن علياً مولى المؤمنين فإن لم تفعل فما بلغت رسالتك والله يعصمك من الناس } .

ومنها عن عيسى بن عبدالله، عن أبيه، عن جده في قوله: { يـأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك في علي وإن لم تفعل عذبتك عذابا أليما}، فطرح عدوي - أي عمر - اسم علي وغيرها .

فليس هناك أدل من هذا على تهافت هذا الإستدلال0 إلى هنا تبين لنا بالدلائل القاطعة فساد كل ماقيل في شأن الغدير من نزول آيات من القرآن، ومن تردد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ ما أمر به، ومن كون ذلك منذ يوم عرفة، ومن روايات مصطنعة بتكلف بين من رد من تقدم من القوم وحبس من تأخر، وأنه كان يوما هاجرا يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء إلى آخر ما وضعوه في ذلك، حتى خلصنا إلى بيان أن ما كان من شأن غدير خم ليس سوى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه . ولا شك في هذا، ولكن ما الذي استوجب قوله صلى الله عليه وآله وسلم لهذا في حق علي رضي الله عنه .

لا جدال في إن علياً رضي الله عنه كان في اليمن عند خروج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى حجة الوداع، وأنه رضي الله عنه لحق به وحج معه .

وهناك في اليمن حصلت أمور بينه وبين وأصحابه توضحها روايات عدة منها ما رواه عمرو بن شاس الاسلمي من أنه كان مع عليرضي الله عنه في اليمن فجفاه بعض الجفاة فوجد عليه في نفسه، فلما قدم المدينة اشتكاه عند من لقيه، فاقبل يوما ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس في المسجد فنظر إليه حتى جلس إليه، فقال: يا عمرو بن شاس لقد آذيتني، فقلت: أنا لله وإنا إليه راجعون، اعوذ بالله وبالاسلام أن أوذي رسول الله، فقال: من آذى عليا فقد آذاني

وعن الباقر قال: بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا إلى اليمن - فذكر قضاءه في مسالة فيها أن علياً رضي الله عنه قد ابطل دم رجل مقتول -، فجاء أولياؤه من اليمن إلى النبي يشكون عليا فيما حكم عليهم، فقالوا: أن عليا ظلمنا وابطل دم صاحبنا، فقال رسول الله: إن عليا ليس بظلام .

وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد التوجه إلى الحج كاتب علي رضي الله عنه بالتوجه إلى الحج من اليمن، فخرج بمن معه من العسكر الذي صحبه إلى اليمن ومعه الحلل التي كان اخذها من اهل نجران فلما قارب مكة خلف علي الجيش رجلا، فادرك هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم أمره بالعودة إلى جيشه، فلما لقيهم وجدهم قد لبسوا الحلل التي كانت معهم، فانكر ذلك عليهم، وانتزعها منهم، فاضطغنوا لذلك عليه، فلما دخلوا مكة كثرت شكايتهم من أمير المؤمنين رضي الله عنه فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناديه فنادى في الناس: ارفعوا السنتكم عن علي بن أبي طالب فانه خشن في ذات الله عزوجل ، غير مداهن في دينه 0

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشا واستعمل عليهم علي رضي الله عنه فمشى في السرية وأصاب جارية، فانكروا ذلك عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول

اللهصلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرناه بما صنع علي، فذكر شكوى الأربعة واعراض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهم وقوله: من كنت مولاه فعلي مولاه 0

وهكذا بدأت تتضح الصورة. وعن بريدة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سرية، فلما قدمنا قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم ؟ قال: فاما شكوته أو شكاه غيري، قال: فرفعت رأسي وكنت رجلا مكبابا، قال: فإذا النبي قد احمر وجهه وهو يقول: من كنت وليه فعلي وليه . وفي رواية عنه ايضا رضي الله عنه قال: غزوت مع علي اليمن، فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتغير، فقال: يا بريدة الست أولى يالمؤمنين من انفسهم ؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم : فمن كنت مولاه فعلي مولاه 0 وفي أخرى أن رجلا كان باليمن فجاءه علي بن أبي طالب فقال: لاشكونك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألـه عـن علـي فشنـا عليه، فقال: انشدك بالله الذي أنزل عليّ الكتاب واختصني بالرسالة عن سخط تقول ما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: نعم يا رسول الله0 قال: ألا تعلم إني أولى بالمؤمنين من انفسهم؟ قال: بلى0 قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه0

فدلت هذه الروايات على أن سبب قوله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك إنما كان بسبب ما ذكرناه من شكوى الناس منه رضي الله عنه . والغريب أن كتب القوم تذكر أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حق علي رضي الله عنه : من كنت مولاه فعلي مولاه، قد كان تكرر منه قبل الغدير بسنين عديدة، مما يدل على أنه ليس فيما كان في يوم الغدير خاصية مختلفة لقوله هذا عن ذي قبل سوى أن قوله يوم ذاك كان في محضر الكثير من أصحابه الذين خرجوا معه للحج، ومن تكرار شكوى الناس منه في اليمن، فتوهم من توهم أن قوله ذلك إنما كان لبيان إمامته، واضافوا من عند انفسهم ما يؤيد هذا الزعم من نزول ايات التهديد والوعيد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ان لم يبلغ ذلك الزعم00الى آخر ما مرّ بك.

وكما ذكرنا أن ذلك كان منه قبل الغدير، فقد ذكر القوم الكثير من ذلك منها ما كان يوم المواخاة الذي ذكرناه، حيث آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار وترك عليا فبكى فذهب إلى بيته، فارسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلالا رضي الله عنه في طلبه، فقال: يا علي أجب النبي، فاتي علي النبي فقال النبي: ما يبكيك يا أبا الحسن؟ فقال: آخيت بين المهاجرين والأنصار يا رسول الله وأنا واقف تراني وتعرف مكاني ولم تواخ بيني وبين أحد، قال: إنما ذخرتك لنفسي، الا يسرك أن تكون اخا نبيك؟ قال: بلى يا رسول الله انى لي بذلك؟ فاخد بيده فارقاه المنبر فقال: اللهم هذا إن هذا مني وأنا منه، إلا أنه مني بمنزلة هارون من موسى، إلا من كنت مولاه فهذا علي مولاه . والمؤاخاة كانت في بداية الهجرة0 ومنها ما كان يوم التصدق بالخاتم بزعمهم. فعن زيد بن الحسن، عن جده y قال: سمعت عمار بن ياسر رضي الله عنه يقول: وقف لعلي بن أبي طالب سائل وهو راكع في صلاة تطوع، فنزع خاتمه فاعطاه السائل، فاتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلمه ذلك، فنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية:{ إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهو راكعون} 0 فقرأها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علينا ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . ومنها ما جاء في حديث الطير وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم ائتني باحب خلقك إليك، فجاء علي فقال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وغيرها 0

فهذه مواطن قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وهي مقولة الغدير تماما، فما الذي استوجب كل ما ذكره القوم في حادثة الغدير من قصص وحكايات، وتهديد ونزول آيات، ماداموا يقرون أنه لم يكن منه غير هذه المقولة.

وقد وردت عنه صلى الله عليه وآله وسلم منذ سنين عدة كما رأيت، فإن كان في هذا دلالة على الإمامة فقد ذكرها قبل الغدير، وإن لم يكن فقد اسقط في يد القوم.

وهذا تماما كقولنا الذي كررناه، وهو أن كان ما نحن فيه من استدلال هو دليل النص على الإمامة، فقد ابطلوا النصوص السابقة منذ بدء العشيرة، مرورا بحادثة والنجم إذا هـوى،

والتصدق بالخاتم، ناهيك عما أوردناه في مقدمة الباب الأول .

وإن كان العكس فأي جديد في الغدير0 ويذكرني هذا بقول الصدوق في حديث الغدير: ونظرنا فيما يجمع له النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس ويخطب به ويعظم الشأن فيه فإذا هو شيئ لا يجوز أن يكونوا علموه فكرره عليهم، ولا شيء لا يفيدهم بالقول فيه معنى، لأن ذلك صفة العابث. والعبث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منفي . فهذا اعتراف من صدوق القوم أن كل ما مرّ بك من أول الكتاب إلى الإستدلال السابق ليس فيه ما يفيد النص على الإمامة لعلي رضي الله عنه لأنه بزعمه لا يجوز أن يكون شيئا علموه فكرره عليهم0

وبعيدا عن كل ما ذكرناه. لنتكلم الآن في دلالة ما صحّ من حديث غدير خم وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : من كنت مولاه فهذا علي مولاه، حيث أن هذا الجزء يكاد يتفق عليه جميع المسلمين، وهو صحيح كما ذكرنا في مقدمة هذا الإستدلال0

فنقول ورد ذكر الموالاة ومشتقاتها في القرآن الكريم في عشرات المواضع منها:{ إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} [ المائدة /55]0 { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة}[ التوبة/ 71]0 { وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}[ الجاثية/ 19]0 { ذلك بأن الله مولى الذين ءامنوا وإن الكافرين لا مولى لهم }[ محمد/ 11]0{ الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات}

[ البقرة/ 257]0 { والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير أم إتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي} [ الشورى/ 8،9] .

{ إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين}[الاعراف /196] )،{ لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين}[ آل عمران/ 28].

{الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنني}[ النساء /139] .

{ يـأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكافرين آولياء من دون المؤمنين}[ النساء /144].

{ يـأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء}[ المائدة/ 51 ].

{إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون}[ الاعراف/ 27 ].{ أنهم اتخذوا الشياطين
أولياء من دون الله}[ الاعراف/30]،{ إن الذين ءامنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين ءامنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا}[ الانفال/ 72].

{ والذين كفروا بعضهم أولياء بعض}[ الانفال/ 73 ].

{ يـأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن إستحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} [ التوبة /23 ]،{ وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين}[ الجاثية /19]، {يـأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} [الممتحنة/1]، { النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض}[ الاحزاب/ 6]،{ وإن تولوا فأعلموا إن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير}[ الانفال/ 40]،{ مأواكم النار هى مولاكم وبئس المصير}[ الحديد/ 15] { وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبرئيل وصالح المؤمين والملائكة بعد ذلك ظهي}[ التحريم/ 4] 0

فهذه الأمثلة من الآيات وكذلك ما ورد في السنة الشريفة والآثار، تدل على أن معنى الموالاة تحمل على وجوه عدة ومعاني مشتركة قد تبلغ الثلاثين. ولا أرى بأسا من ايرادها وهي: الرب، العم، ابن العم، الابن، ابن الأخت، المعتق (بالكسر)، المعتق (بالفتح)، العبد، المالك، التابع، المنعم عليه، الشريك، الحليف، الصاحب، الجار، النزيل، الصهر، القريب، المنعم، الفقيد، الولي، الأولى بالشئ، السيد غير المالك والمعتق، المحـب، الناصر، المتصرف في الأمر، المتولي في الأمر .

ولا شك أن الكثير من هذه الألفاظ لا تنطبق على حديثنا، ولكن أقربها إلى مدلولها هي لفظة الموالاة التي هي ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، وليست الامارة والخلافة، لذا لم يقل صلى الله عليه وآله وسلم : من كنت واليه فعلي واليه أو قريبا من هذا.

وسنأتي على ذكر الكثير من الأحاديث التي وضعها القوم بهذه الألفاظ الواضحة، اقرارا منهم بعدم صراحة لفظ الموالاة في حديثنا هذا المستوجب للخلافة العامة – وانما اللفظ كان: من كنت مولاه فعلي مولاه، وأما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل فإن الولاية تثبت من الطرفين فإن المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم .

وفي الحديث دليل صريح علي اجتماع الولايتين في زمان واحد، اذ لم يقع التقيد بلفظ (بعدي)، بل سوق الكلام لتسوية الولايتين في جميع الاوقات من جميع الوجوه كما هو الاظهر، وشركة علي رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في التصرف في عهده ممتنعة، فهذا أدل دليل على أن المراد وجوب محبته، إذ لا محذور في اجتماع محبتين، بل أحدهما مستلزمة للأخرى، سواء في حياتهما أو بعد وفاتهما صلوات الله عليهم، اما اجتماع التصرفين ففيها محذورات كثيرة كما لا يخفى. وهذا يذكرنا بما أوردنا من ردود عند الكلام في استدلال التصدق بالخاتم، حيث ذكرنا هناك أن إمامته رضي الله عنه غير مرادة في زمان الخطاب، لأن ذلك عهد النبوة، والإمامة نيابة فلا تتصور إلا بعد انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإذا لم يكن زمان الخطاب مرادا، تعين أن يكون المراد الزمان المتأخر عن زمن الانتقال ولا حد للتأخير فليكن ذلك بالنسبة إلى علي بعد مضي زمان أبي بكر وعمر وعثمان y أجمعين. وبهذا يتحقق الوفاق بين الفريقين، نعم لا يخلو تخصيص علي رضي الله عنه بالذكر بهذه الموالاة التي هي ضد المعاداة من علة، وقد بينا أن ذلك بسبب ما ذكرناه من شكوى الناس، ومن علمه صلى الله عليه وآله وسلم بالوحي من وقوع الفساد والبغي في زمن خلافته وانكار بعض الناس لإمامته بل ومحاربته، حتى احتج هو رضي الله عنه بحديث الغدير لإلزامهم بموالاته ومناصرته، وهذا موافق تماما لقول العسكري لما سأله الحسن بن طريف: ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين: من كنت مولاه فعلي مولاه، قال: أراد بذلك أن جعله علما يعرف به حزب الله عند الفرقة 0

وهذا الحسين رضي الله عنه يقول لجيش الشام: اتعلمون أن عليا ولي كل مؤمن ومؤمنة ؟ قالوا: نعم .

فهل فهموا من ذلك ما فهمه القوم، حتى بايعوا غيره، وقاتلوا ابنه .

وهكذا فأنت ترى أن القوم قد أوردوا في مصنفاتهم ما يفيد عدم فهم الناس لحديث غدير خم على أنها الخلافة العامة للمؤمنين كما يدعون .وإليك المزيد من هذه الروايات: عن أبي اسحاق قال: قلت لعلي بن الحسين: مامعنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه00الرواية .

وعن ابان بن تغلب قال: سألت أباجعفر محمد بن علي عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال: يا أباسعيد تسال عن مثل هذا ؟ .

وعن أبي التيهان قال: أنا اشهد على النبي أنه اقام علياً، فقالت الأنصار: ما اقامه إلا للخلافة، وقال بعضهم: ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه ولي من كان رسول الله مولاه 0

ويؤكد هذا رواية الصادق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه وعلي أولى به من بعدي، فقيل لى: ما معنى ذلك ؟ قال: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ترك دينا أو ضياعا فعلي ومن ترك مالا فلورثته .

فانظر هنا فرغم صراحة اللفظ إلا أنه لم يحمل على الخلافه العامه، فتأمل. وعن الصادق ايضا قال: لما أقام رسول الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يوم غدير خم، أنزل الله تعالى على لسان جبرئيل فقال له: يا محمد إني منزل غدا ضحوة نجما من السماء يغلب ضوؤه على ضوء الشمس، فاعلم أصحابك أنه من سقط ذلك النجم في داره فهو الخليفة من بعدك، فاعلمهم رسول الله فجلسوا كلهم في منزلة يتوقع أن يسقط النجم في منزله، فما لبثوا أن سقط النجم في منزل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة . فكأن واضع هذه الرواية المضحكة يؤكد ما نحن بصدده من عدم فهم من حضر الغدير وقد عرفت عددهم، معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه، من إنها تعني الخلافة بعده كما يزعم القوم، حتى انتظروا إلى يوم التاسع عشر من ذي الحجة ليروا على دار من سيسقط ذلك النجم فيكون الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم 0

والروايات في الباب كثيرة وكلها تدل على خلاف مفهوم القوم ومقصودهم منها.

واليك المزيد. فعن سالم قال: قيل لعمر: نراك تصنع بعلي شيئا لا تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟. فقال: أنه مولاي0 وعن الباقر قال: جاء اعرابيان إلى عمر يختصمان، فقال عمر: يا أبا الحسن اقض بينهما ؟ فقضى على أحدهما، فقال: المقضي عليه: يا أمير المؤمنين هذا يقضي بيننا ؟ فوثب إليه عمر فاخذ بتلبيبه ولببه ثم قال: ويحك ما تدري من هذا ؟ هذا مولاى ومولى كل مؤمن ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن 0

فاسأل نفسك: هل فهم من وثب إلى الاعرابي أنه وثب على حق من اشتكى منه الاعرابي0 ولعل ابلغ من هذا كله ذكر ما كان من أهل البيت وهل أنهم فهموا مما كان من شأن الغدير ما ادعاه القوم لهم، ذكر القوم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي رضي الله عنه : أما ترضى أن تكون أخي وأكون أخاك وتكون وليي ووصيي ووارثي . فهل يعني الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول لعلي رضي الله عنه : وتكون أميرا أو خليفة عليّ.

وعن الصادق قال: لما فتح رسول الله مكة قام على الصفا فقال: يا بني هاشم ، يا بني عبدالمطلب إني رسول الله اليكم وإني شفيق عليكم، لا تقولوا: أن محمدا منا، فوالله ما أوليائي منكم ولا من غيركم إلا المتقون .

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: قال الله ليلة الإسراء: اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وارضي وحملة عرشي إن عليا وليي وولي رسولي وولي المؤمنين بعد رسولي .

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: إنك وليي ووليي ولي الله وعدوك عدوي وعدوي عدو الله. وفي رواية: ووليك وليي ووليي ولي الله .

فماذا تفهم من هذه النصوص غير الموالاة التي هي المحبة ؟

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: هبط على جبرئيل وقال: يا محمد الله يقرؤك السلام ويقول لك: قد فرضت الصلاة ووضعتها عن المعتل والمجنون والصبي، وفرضت الصوم ووضعته عن المسافر وفرضت الحج ووضعته عن المعتل وفرضت الزكاة ووضعتها عن المعدم، وفرضت حب علي بن أبي طالب وفرضت محبته على أهل السماء والأرض فلم اعط أحدا رخصة

وعن رسول الله في أهل الكساء: من والاهم فقد والاني ومن عاداهم فقد عاداني

وعن رباح بن الحارث قال: جاء رهط إلى أمير المؤمنين فقالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال: كيف أكون مولاكم وانتم قوم عرب ؟ فقالوا: سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وكان فيهم نفر من الأنصار منهم أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله 0

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لزيد رضي الله عنه : أنت أخونا ومولانا 0

فهذه الروايات التي سردناها سردا دون تعليق وغيرها كثيرة، تدل بوضوح على معنى الموالاة، ولعل في ذكرنـا للروايـة الآتية كخـاتمة لما اسلفنـاه ابلغ التدليل على مقصودنا ففيها

غنى عن كل ما مر، تقول الرواية أن هارون الرشيد سأل الكاظم: إنكم تقولون أن جميع المسلمين عبيدنا، وجوارينـا، وأنكم تقولون مـن يكون لنـا عليه حـق ولا يوصله إلينـا فليس

بمسلم؟ فكان مما رد عليه الكاظم: إن الذين زعموا ذلك فقد كذبوا، ولكن ندعي أن ولاء جميع الخلائق لنا، يعني ولاء الدين وهؤلاء الجهال يظنونه ولاء الملك، حملوا دعواهم على ذلك، ونحن ندعي ذلك لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وما كان يطلب بذلك إلا ولاء الدين . وقد ذكر القوم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: سألت الله عزوجل أن يجعلك ولي كل مؤمن ومؤمنة ففعل .فتدبر في قوله ففعل0 فتحصل لديك من كل ما مرّ بك الاضطراب الشديد في فهم مقصود الموالاة، مما يتنافى مع القول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يريد بيان أعظم ركن من اركان الاسلام بزعم القوم وفي هذا الحشد قد استخدم كلاما مبهما لبس علي الناس أمرهم وهو الذي أوتي جوامع الكلم والقائل أنا افصح العرب، ويبدو ان القوم قد تفطنوا لهذا، اعني عدم صراحة نص الغدير على مقصود الإمامة والخلافة، فوضعوا عشرات الروايات وكلها تدل دلالة واضحة علي المقصود وكأنهم بذلك ارادوا القول بأن هكذا كان على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول، لا كما قال، ومن هذه الروايات: زعمهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في علي رضي الله عنه : هو إمام المسلمين ومولي المؤمنين واميرهم بعدي . وفي رواية: علي إمام كل مؤمن بعدي

وفي أخرى: أنت الإمام بعدي والأمير . وفي أخرى: أمير كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي ، إلى غيرها من الألفاظ التي تفيد أنه رضي الله عنه خليفة بعده صلى الله عليه وآله وسلم .

بل ظنوا أنهم جعلوا رواية الغدير أكثر وضوحاً عندما جعلوها هكذا: من كنت وليه فعلي وليه، ومن كنت إمامه فعلي إمامه ومن كنت أميره فعلي أميره 0

وعن ابن نباتة قال: خرج علينا أمير المؤمنين ذات يوم ويده في يد ولده الحسن، وهو يقول: خرج علينا رسول الله ذات يوم ويدي في يده هكذا وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيدهم أخي هذا وهو إمام كل مسلم وأمير كـل مؤمن بعد وفاتي، وألا وإني أقول: أن خير الخلق بعدي وسيدهم ابني هـذا وهـو إمام كل مسلم وأمير كل مؤمن بعد وفاتي .

فانظر وضوح اللفظ في هذا المحضر قليل العدد، وغموضه يوم الغدير رغم العدد الذي حضره، وكذلك جهل الحسن رضي الله عنه والناس بإمامته لولا بيان الأمير رضي الله عنه لذلك

.

ثم إن علياً رضي الله عنه لم يفهم من رواية الغدير ولا غير الغدير أن ولايته واجبة وخلافها كفر وبطلان وهو يقول: أما بعد فإن الله سبحانه بعث محمدا فأنقذ به من الضلالة ونعش به من الهلكة وجمع به بعد الفرقة ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه فاستخلف الناس أبابكر ثم استخلف أبوبكر عمر فأحسنا السيرة وعدلا في الأمة وقد وجـدنا عليهما أن توليا الأمر دوننا ونحن آل رسول الله وأحق بالأمر فغفرنا ذلك لهما .

وفي موطن آخر قال: ثم أن المسلمين من بعده استخلفوا أميرين منهم صالحين أحييا السيرة ولم يعدوا السنة .

وقال فيهم: فتولى أبوبكر تلك الأمور وسدد وقارب واقتصد، وتولى عمر الأمر فكان مرضي السيرة ميمون النقية 0

لم يفهم الأمير رضي الله عنه من رواية الغدير ولا غير الغدير أن ولاية من سبقوه أحداث في الدين، وهو يتذكر قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأخباره له بما يلقى بعده، فقال: فعلى مـا أقاتلهم ؟

قال: على الأحداث في الدين .

فهل قاتلهم الأمير؟ وهو القائل: والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها .

أم قال عن ولايتهم كما روى القوم: فلم أر بحمد الله إلا خيرا 0

هل فهم رضي الله عنه من رواية الغدير وغير الغدير ما فهمه القوم وهو يقول: اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا إلتماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك - إلى أن قال- وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام، وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته ولا الجاهل فيضلهم بجهله ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة .يقول هذا عندما اضطربت الأمور في عهده، ولم يقله في الشيخين أو ذي النورين y ، إنما قال فيهما ما قال من حسن السيرة والعدل في الأمة والخير الذي راه في ولايتهم0

ويذكرني هذا بروايتهم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه الذي يروي فيه الرضا عن آبائه عن علي y عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال فيه: أبوذر صديق هذه الأمة ، وهو يقول لعثمان رضي الله عنه : اتبع سنة صاحبيك لا يكن لأحد عليك كلام . وفي رواية: ويحك يا عثمان أما رأيت رسول الله ورأيت أبابكر وعمر، هل هديك كهديهم ؟ .

وقول ابن عباس : أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أبرأ من خمسة: من الناكثين وهم أصحاب الجمل، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام، ومن الخوارج وهم أهل النهروان، ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصاري في دينهم فقالوا: لا قدر، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا: الله اعلم .

فهل أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتبرئ من أبي بكر وعمر وعثمان y وهم الذين اغتصبوا حق الأمير وأتوا بأعظم من أفعال هؤلاء الخمسة الذين أمر بالتبرئ منهم بزعم القوم0

أبدا لم يفهم علي رضي الله عنه أن خلافة الشيخين خلاف هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أو أن فلانا دون آخر أحق بالخلافة من غيره0

لم يفهم رضي الله عنه لا من الغدير ولا غير الغدير أنه أحق بالخلافة، وهو لا يزال يردد القول بكراهيته لها، وهو يعلم يقينا قول الله تعالى:{ ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}، وقوله:{ وربك يخلق ما يشاء ويختار ماكان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون}[ القصص/ 68].

وقوله:{ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا}[ الزخرف/ 32]0

ألم يعلم رضي الله عنه أن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص من الله عزوجل على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وانها مثلها لطف من الله عزوجل ولا يجب أن يخلو عصر من العصور من إمام مفروض الطاعة منصوب من الله تعالى، وليس للبشر حق اختيار الإمام وتعينه، بل وليس للإمام نفسه حق تعينه من يأتي من بعده، وأن الإمامة عهد من الله عزوجل معهود لرجل مسمى ليس للإمام أن يزويها عمن يكون من بعده، وأن بها أخذ الله المواثيق من الأنبياء عند بعثهم، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال له بزعمهم: يا علي ما بعث الله نبيا إلا وقد دعاه إلى ولايتك طائعا أو كارها، والقائل: لم يبعـث الله نبيا ولا رسولا إلا وأخذ عليـه الميثـاق لمحمد بالنبوة ولعلي بالإمامة، والقائل صلى الله عليه وآله وسلم : التاركون ولاية علي خارجون عن الاسلام، والجاحد لولاية علي كعابد وثن، وقوله هو رضي الله عنه بزعمهم: لو أن عبدا عبدالله ألف سنة لايقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت، ولو أن عبدا عبدالله ألف سنة وجاء بعمل اثنين وسبعين نبيا مايقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت وإلا أكبه الله على منخريه في نار جهنم. وغيرها من مئات بل وألوف الآيات والأحاديث التي ذكرنا منها القليل في مقدمة الباب الأول. ألم يفهم من كل هذا من أنه خليفة للمسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن ذلك واجب المعرفة، وأنه لا يعذر الناس بترك الولاية، وإن من مات ولا يعرف إمامه أو شك فيه مات ميتة جاهلية وكفر ونفاق، وإن من أنكر واحدا منهم فقد أنكر الجميع، حتى حكى المفيد اجماع الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعـة فهـو كافر ضـال مستحق للخلود في النار0

ألم يعلـم كل هذا وهو يقـول لمـن جاءه مبايعا: ألا وأن الله عالم من فوق سمائه وعرشه إني كنت كارها للولاية على أمة محمد حتى اجتمع رأيكم على ذلك لأني سمعت رسول الله يقول: ايما وال ولي الأمر من بعدي اقيم على حد الصراط ونشرت الملائكة صحيفته فإن كان عادلا انجاه الله بعدله وأن كان جائرا انتقض به الصراط حتى تتزايل مفاصله ثم يهوي إلى النـار فيكـون أول ما يتقيهـا به انفه وحر وجهه0ولكن لمـا اجتمع رأيكم لما يسعني ترككم .

هل تفهم عزيزي القارئ من هذه الرواية أن هناك نص على من يأتي بعده صلى الله عليه وآله وسلم ، أو أن هناك شروطا يجب أن تتوفر فيه فحسب. وهل من جاء بعده سينجيه بعدله، كما قال رضي الله عنه : فاستخلف الناس أبابكر ثم استخلف أبوبكر عمر فأحسنا السيرة وعدلا في الأمة، أما سينتقض بهم الصراط لجورهم، كما يرى من يدعي أنه من شيعته رضي الله عنه 0

ألم يعلم أنه الخليفة الحق والمنصوب من الله عزوجل وغيره غاصب لهذا الحق وهو يقول لطلحة والزبير: نشدتكما الله هل جئتماني طائعين للبيعة ودعوتماني إليها وأنا كاره لها - وفي موضع آخر: فـوالله ما كانت لـه في الولاية رغبـة ولكنكم دعوتموني إليهـا وحملتموني

عليها فخفت أن أردكم فتختلف الأمة 0 ألم يعلم كل هذا، وهو يقول للمهاجرين والأنصار وقد جاؤوا لبيعته: لا حاجة لي في أمركم أنا بمن اخترتم راض .

فهل فاته إن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص من الله عزوجل على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، وليس للبشر حق اختيار الإمام وتعينه0 هل رأى ذلك وهو يقول في أبي بكر وعمر y كما يروى : أخذا حقي وقد تركته لهما تجاوز الله عنهم 0

ويقول لطلحة لما برز الناس للبيعة عند بيت المال: ابسط يدك للبيعة، فقال له طلحة: أنت أحق بذلك مني وقد استجمع لك الناس ولم يجتمعوا لي .

فهل كان له الاختيار والأمر في أن يبايع هذا أو يتركه لذاك، أو أن ذلك إلى الله وليس للبشر حق الاختيار، وأن طلحة وقبلهما الشيخين y سيكونون بذلك أئمة ليسوا من الله. ألم يفهم رضي الله عنه ما فهمه من يرون أنهم من شيعته.

إن كل ما مرّ بك من نصوص الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هي في إمامته دون غيره، وهل يرى القوم أن الأمير نسى تحذيره وكذا بقية الأئمة لشيعتهم بزعمهم بأن لا ينصبوا رجلا دون الحجة 0

ألم يعلم رضي الله عنه أنه منصوص من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: اتيتموني لتبايعوني فقلت: لا حاجة في ذلك ودخلت منزلي فاستخرجتموني فقبضت يدي فبسطتموها وتداككتم عليّ حتى ظننت انكم قاتلي وأن بعضكم قاتل بعض فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ولا جذل وقد علم الله سبحانه إني كنت كارها للحكومة بين أمة محمد 0

ألم يعلم كل ذلك وهو يقول لما أراده الناس علي البيعة بعد قتل عثمان رضي الله عنه : دعوني والتمسوا غيري، فانا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول وان الافاق قد اغامت والمحجة قد تنكرت واعلموا إني أن اجبتكـم ركبـت بكـم مـا

اعلم ولم اصغ إلى قول القائل وعتب العاتب وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي اسمعكم واطوعكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا 0

فهل رأى رضي الله عنه إن اختياره أو اختيار الصحابة خير من اختيار الله عزوجل ، وهو يقرأ وربك يخلق ما يشاء ويختار ماكان لهم الخيرة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزعمهم: ان الله خلق آدم من طين كيف يشاء، ثم قال: ويختار، إن الله اختارني وأهل بيتي على جميـع الخلق فانتجبنا فجعلني الرسول وجعل علي بن أبي طالب الوصي، ثم قال: ما كان لهم الخيرة، يعني ما جعلت للعباد أن يختاروا ولكن اختار من اشاء 0

فهل رأى ذلك، فهل هذا إلا كمن يقول أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال لهذا أو ذاك: ابسط يدك للنبوة. ألم يقبل رضي الله عنه ويطيع مشيئة الله في جعله خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما يزعم القوم بهذه الرواية من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في ليلة الإسراء: فتح لعلي أبواب السماء والحجب حتى نظر إلى ونظرت إليه، ثم قال: أن أول ما كلمني به أن قال: يا محمد انظر تحتك فنظرت إلى الحجب قد انخرقت والى أبواب السماء قد فتحت ونظرت إلى علي وهو رافع رأسه إليّ فكلمني وكلمته وكلمني ربي عزوجل : يا محمد إني جعلت علياً وصيك ووزيرك وخليفتك من بعدك فاعلمه فهو يسمع كلامك فاعلمته وأنا بين يدى ربي عزوجل ، فقال لي: قد قبلت واطعت، فأمر الملائكة ان تسلم عليه ففعلت، فرد السلام00الرواية 0

فهل علم رضي الله عنه هذا وهو يقول: والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها فكرهت خلافكم .

فهل كان يرى مخالفة الله الذي اختاره من دون الناس من فوق سبع سموات، هل كان يرى مخالفته جائزة، وطاعة البشر واجبة، هل علم هذا عندما قال: وبسطتم يدي فكففتها ومددتموها فقبضتها ثم تداككتم علي تداكك الابل الهيم على حياضها يوم وردها حتى انقطعت النعل وسقط الرداء ووطيء الضعيف.. إلى آخر ماقاله رضي الله عنه واصفا بيعته بالخلافة

هل علم هذا وهو يقول: إني لم أرد الناس حتى أرادوني ولم أبايعهم حتى اكرهوني .

وقال: فلما رأيت ذلك منكم رويت في أمري وأمركم وقلت إن أنا لم أجبهم إلى القيام بأمرهم لم يصيبوا أحدا يقوم فيهم مقامي ويعدل فيهم عدلي .

هل وهل، وهو لا يزال يردد ويقول بكراهته لأمر لولاه لما خلق الله شيئا، حتى قال لابن عباس رضي الله عنه وقد رآه يخصف نعله: ما قيمة هذه النعل؟ فقال: لا قيمة لها، فقال: والله لهي أحب إلى من إمرتكم 0 أبدا لم يكن رضي الله عنه يرى أن مشروعية خلافته مستمدة من تلك النصوص التي زعمها القوم له، وقد علمت حالها جميعا، وأنه لو كان من ذلك شيء حق لقاتل عليها حتى لو تظاهرت العرب كلها عليه، بل كان يرى أن شرعية خلافته إنما هي مستمدة من مبدأ الشورى الذي أقره القرآن وأكده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهديه وسننه.

كيف لا وهو القائل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من جاءكم يريد أن يفرق الجماعة ويغصب الأمة أمرها ويتولى من غير مشورة فاقتلوه، فإن الله عزوجل قد أذن ذلك .

ويقول لمعاوية: إن الناس تبع المهاجرين والأنصار وهم شهود للمسلمين في البلاد على ولاتهـم وأمراء دينهم فرضوا بي وبايعوني، ولست استحل أن ادع ضرب معاوية يحكم على

هذه الأمة ويركبهم ويشق عصاهم – فلما بلغ معاوية ذلك قال: ليس كما يقول فما بال مـن هـو هـا هنا مـن المهاجرين والأنصار لم يدخلـوا في هذا الأمر ؟ فقال رضي الله عنه : ويحكم هـذا

للبدرين دون الصحابة وليس في الأرض بدري إلا وقد بايعني وهو معي أو قد أقام ورضي فلا يغرنكم معاوية من انفسكم ودينكم .

وقال لمعاوية في موطن آخر: إن بيعتي لزمتك بالمدينة وأنت بالشام لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرا 0

فهو يرى اجماع المهاجرين والأنصار y على رجل هو رضا لله، بل ولا يرى بيعته دون رضاهم كما قال: أن بيعتي لا تكون إلا عن رضا المسلمين وفي ملأ وجماعة .

وهو القائل رضي الله عنه : وما كان الله ليجعلهم على ضلال ولا يضربهم بعمى .

وقال له في موطن آخر: إن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة وأنت أمير لعمر على الشام وكما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر بالمدينة وهو أمير لأبي بكر على الشام00أما قولك: إن بيعتي لم تصح لأن أهل الشام لم يدخلوا فيها، فانما هي بيعة واحدة تلزم الحاضر والغائب لا يستثنى فيها النظر ولا يستأنف فيها الخيار والخارج منها طاعن والمروي فيها مداهن . وكان يقول له: واعلم إنك من أبناء الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا يعرض فيهم الشورى 0

وكذلك قال ابنه الحسن لمعاوية في كتاب الصلح الذي استقر بينهما: هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان: صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين، على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين 0 فهل ترى بعد كل هذا، أن الأمير أو ابنه y يرون رأي من زعموا أنهم من شيعتهم من ان الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم قد نصا عليهما y أو أنهم يقررون مبدأ الشورى وبه يستمدون شرعية إمامتهم للمؤمنين دون أن يتطرقوا إلى ذكر أي نص من تلك النصوص التي زعمها القوم لهم، وهم في تلك الحال من الخلاف وفي موطن هم بأمس الحاجة فيه إلى ذكر نص من تلك النصوص لو وجدت، ليرد به على معاوية الذي احتج عليه بعدم اجتماع أهل الشام عليه، فهل قال له علي رضي الله عنه مثلا: ليس لإختيار أهل الشام أو بيعتهم شأن أو قيمة، ما دام الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم قد نصا على إمامتي، أو أنه رضي الله عنه دلل على بيعته باجتماع أهـل المدينة عليـه، حتى لم يـر شرعية لخلافته الا بقياس ذلك على بيعة الصديق ، والفاروق، وذي النورين y أجمعين، وإن بيعتهم كانت لله رضا، وإنهم كانوا خلفاء راشدين، يستحقون أن يدعوا من جاء بعدهم بالإقتداء بهم، لا أنهم مغتصبون لحق غيرهم0 ولم يرى خلاف ذلك وهو يؤكد شرعيتهم، ويعلم يقينا بإعتبار معتقد القوم إن الإمامة لا تكون بالاختيار أو الشورى إنما بنص من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن جاء من غير هذا الطريق فهو كافر ومن يتولاه فهو مثله، وإن من ترك ولايته خارج عن الاسلام كما نسبوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما مرّ بك. ووضعوا في ذلك العشرات من الروايات وجعلوا لها أبوابا مثل: باب أنه لا تقبل الأعمال إلا بالولاية، وباب كفرالمخالفين والنصاب، وغيرها.

فهل يرى القوم أنه رضي الله عنه ترك حقه وهو يعلم أن تركه ذلك خروج عن الاسلام وإحباط للاعمال والطاعات كما يزعمون!! وهو يتولى من سبقه ويؤكد شرعية إمامتهم بل ويستمد شرعية إمامته من إمامتهم، ويرى أن ذلك كان لله رضا، وأنهم قد احسنا السيرة وعدلا في الأمة، وإنه كان يرى الخيرية في وزارته لهم دون إمامته، ويدعوا إلى بيعة غيره، ويؤكد لهم التزامه لمن اختاروه بأنه سيكون اطوعهم له كمـا قال، فلم ير رضي الله عنه بإعتبار معتقد القوم أن الخير فيما اختاره الله عزوجل ، بل رأى خلاف ذلك، فرأى أن كونه وزيرا خير من اختيار الله عزوجل له بأن يكون أميرا، هكذا يريد منا القوم أن نقول، وهكذا يريد لنا القوم أن نعتقد فيه رضي الله عنه . بل ويرى أن اختيار ذلك إلى البشر خير من تولية إمام منصوب من الله، ويحث الناس إلى طاعة من اختاروه، ويتقدمهم في ذلك، وهو يعلم بإعتبار القوم أن ذلك خلاف إرادة الله عزوجل ، وإن الله عزوجل قد نص على إمامته قبل خلق كل شييء بملايين السنين، وانه علة خلق كل شيء .

ويرينا القوم أنه ضرب بعرض الحائط كل هذا، وترك كل تلك النصوص التي زعمها القوم له منذ بدء العشيرة، مرورا بانما وليكم الله، وانما يريد الله، وعشرات غيرها، بل ومئات، وانتهاء بحادثة الغدير، ليرى تنصيب غيره، وترك ما أمر به الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويطلب بذلك رضى الناس بسخط الله عزوجل ، وكأنه نسى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من طلب رضي الناس بسخط الله جعل الله حامده من الناس ذاما .

وقول: لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله .

وهو يرى أن من تولى على المسلمين دونه غير عاص لله، كيف وهو يدعو إلى طاعته، ويرى أن ذلك لله رضا0 وكأنه نسى قوله صلى الله عليه وآله وسلم : من ارضى سلطانا جائرا بسخط الله خرج من دين الله . بل قوله هو رضي الله عنه : لا دين لمن دان بطاعة المخلوق في معصية الخالق .

وغيرها، فضلا عن عشرات الروايات الأخرى في عقاب من ادعى الإمامة بغير حق أو اطاع إماما جائرا، كقولهم عن الصادق: ثلاثـة لا ينظـر الله إليهم يـوم القيامـة ولا يزكيهـم

ولهم عذاب أليم، من ادعى إمامة من الله ليست له، ومن جحد إماما من الله، ومن زعم أن لهما - أي ابابكر وعمر y - في الاسلام نصيب.

وقوله في قوله تعالى:{ ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسوده }

قال: من ادعى أنه إمام وليس بامام، وإن كان علويا فاطميا، وقوله: من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر. وقوله: إن هذا الأمر لا يدعيه غير صاحبه إلا بتر الله عمره .

وقوله: من خرج يدعو الناس وفيهم من هو أفضل منه فهو ضال مبتدع.

وقول الباقر: من ادعى مقامنا يعني الإمامه فهو كافر، وغيرها وهي كثيرة

بهذا تكون أقوال الأمير رضي الله عنه السابقة قد اسقطت كل ما أوردناه من أول الكتاب من أحاديث وروايات منسوبة إلى الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والأئمة y أجمعين .

وأكدت إقراره رضي الله عنه بمنهج القرآن الكريم{ وشاورهم في الأمر}[ آل عمران/ 159] {وأمرهم شورى بينهم}[ الشورى/ 38]0

لذا فلا عجب من أن يردد رضي الله عنه : إنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضا .

ولا عجب من أن يقول لمعاوية في المهاجرين والأنصار: وما كان الله ليجعلهم .

وفي لفظ ليجمعهم - على ضلالة ولا يضربهم بالعمى .

ويقول للخوارج وقد خطأوه وضللوه: فإن أبيتم إلا أن تزعموا إني اخطأت وضللت فلم تضللون عامة أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بضلالي .

كيف لا وهو قد سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا تجتمع امتي على ضلالة 0

راجع الأصل للتخريجات