التشيع والشيعة - أحمد الكسروي

قام بنشر الكتاب في بعض ساحات الحوار الأخ الفاضل ذهبي فجزاه الله خيرا

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله ، نبيه محمد و على آله و صحبه و من والاه ، ثم أما بعد :-

فهذه هي الحلقة الأولى من مشروع طباعة و نشر كتاب ( التشيع و الشيعة ) تأليف : أحمد الكسروي ، تحقيق و تعليق : كل من فضيلة الشيخ ناصر القفاري ، و فضيلة الشيخ سلمان العودة و قد كنت قد نشرت مقالاً في الأسابيع الماضية بعنوان : دراسة موضوعية لعام إيراني من كبار المذهب الشيعي - سابقاً - ، و مهدت فيه لهذا العمل ، و اليوم إن شاء الله أبدأ بأولى هذا الحلقات و تتضمن ما يلي :

المقدمة و تشتمل على :

1- ترجمة مختصرة للمؤلف .

2- عرض عام للكتاب و موضوعاته .

3- عملنا في إخراج الكتاب .

1- 1 المؤلف : هو أحمد مير قاسم بن مير أحمد الكسروي ، ولد في تبريز عاصمة أذربيجان ، أحد أقاليم إيران ، وتلقى تعليمه في إيران ، و عمل أستاذاً في جامعة طهران ، و تلوى عدة مناصب قضائية ، و تولى مرات رئاسة بعض المحاكم في المدن الإيرانية ، حتى أصبح في طهران أحد كبار مفتشي وزارة العدل الأربعة ، ثم تولى منصب المدعي العام في طهران ، و كان يشتغل محرراً لجريدة ( برجم ) الإيرانية ، و كان يجيد اللغة العربية ، والتركية ، و الإنجليزية ، والأرمنية ، والفارسية ، والفارسية القديمة ( البهلوية ) . و له كتب كثيرة جداً ، و مقالات منتشرة في الصحف الإيرانية . و كانت مقالاته القوية التي يهاجم بها أصول المذهب الشيعي ، قد جذبت نظر بعض المثقفين ، والجمعيات العامة في البلاد إليه ، و أقبل عليه فئات من الناس من كل أمة و نحلة ، ولا سيما الشباب – من خريجي المدارس – فأحاط به آلاف منهم ، وقاموا بنصرته ، و بث آرائه ، و نشر كتبه . و وصلت آراؤه بعض الأقطار العربية ، و هي الكويت ، و قد طلب بعض الكويتيين من الكسروي تأليف كتب بالعربية ليستفيدوا منها ، فكتب لهم هذا الكتاب ( التشيع والشيعة ) ، والذي أوضح فيه بطلان المذهب الشيعي ، و أن خلاف الشيعة مع السلمين إنما مستنده التعصب واللجاج ، و ما إن أتم كتابه هذا حتى ضرب بالرصاص من قبل مجموعة من الروافض ، فدخل المستشفى ، وأجريت له عملية جراحية ، و تم شفاؤه . ثم أخذ خصومه من الروافض يتهمونه بمخالفة الإسلام ، و رفعوا ضده شكوى إلى وزارة العدل ، ودعي للتحقيق معه ، و في آخر جلسة من جلسات التحقيق ، في نهاية سنة 1324هـ ، ضرب بالرصاص مرة أخرى ، و طعن بخنجر ، فمات على إثر ذلك ، و كان في جسمه تسعة و عشرون جرحاً ، وقد عاش سبعاً و خمسين سنة ، و ترك أفكاره و كتبه و مقالاته الكثيرة حية مع الأحياء . و قد نشر أفكاره الأساسية سنة 1311هـ ، في كتاب بالفارسية سماه ( آيين ) – أي : دستور ، أو دين - ، و نشر أفكاره عن المذهب في كتبه : ( صوفيكاري ) و ( بهائيكري ) و ( شيعيكري ) ، و غيرها (1) ، وكان لهذه الأفكار آثار بعيدة المدى في المجتمع الإيراني ، سنكتب عنها كتابه خاصة – في المستقبل بإذن الله – مع عرض لأعداد غفيرة من العلماء الذين خرجوا عن دين الشيعة و تبرؤوا منه .

2- عرض الكتاب ، و موضوعاته :

أ- عرض تفصيل للكتاب :

قام المؤلف بدراسة مذهب الشيعة ، في نشأته و أصوله و كتبه و أئمته و آثاره ، دراسة جمعت بين التحليل العقلي ، والبرهان التاريخي ، والعرض العلمي ، وانتهى – بعد عرض منظم واضح – إلى أن مذهب الروافض قد جاء بمجازفات و أمور منكرة كثيرة ، و أن الرافضة قد انفصلوا عن جماعة المسلمين بعقائدهم و أحكامهم .

و هذا عرض مختصر لمحتويات الكتاب ، نرجو ألا يكون حائلاً بين القارئ و بين قراءة الكتاب نفسه بأسلوب المؤلف الخاص القوي .

يرى الكسروي أن الرافضة قد انحرفوا إلى الغلو في حب علي ، و معاداة أبي بكر و عمر وعثمان بدعوى أن علياً كان أحق بالخلافة منهم ، و كان هذا الانحراف يشتد بمرور الزمن ، و كان التشيع يتطور من جهاد سياسي إلى عقائد مفرطة .

و يتحدث عن غلو الشيعة في أئمتها ، و آثار هذا الغلو في انفصال الشيعة عن المسلمين ، واستقلالهم بعقائدهم و أحكامهم الخاصة .

و يذكر أن شذوذهم هذا دفعهم إلى وضع أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، و تأويل آيات من القرآن ، و حريف أخبار الوقائع .

ثم يتحدث عن دعوى الشيعة غيبة إمامهم الثاني عشر ، و بين بالأدلة القوية العقلية والتاريخية أن تلك خرافة ، و يقول إن التعصب كان قد أعمى قلوب الشيعة .

ثم يذكر كتبهم المعتمدة ، والموضوعات التي تهتم بها .

و بعد هذا يعقد باباً كاملاً يضمنه ثلاثة فصول :

الفصل الأول : بطلان مذهب التشيع من أساسه .

الفصل الثاني : فيما اشتمل عليه من الدعاوي الكاذبة .

الفصل الثالث : فيما نتج عنه من الأعمال القبيحة .

- يذكر في – الفصل الأول – أن من أسس مذهب التشيع ( الإمامة ) ، و يقول : إن الإمامة بالمعنى الذي ادعوه دعوى لا يصحبها دليل ، فلسائل أن يسأل : لِمَ لَمْ يُذكر أمر عظيم – كهذا – في القرآن و هو كتاب الإسلام ؟

ثم يذكر أهم ما يتعلقون به من أدلة حول النص على إمامة علي ، ويبطل هذه الأدلة المزعومة بحجج عقلية باهرة من أقواها ، اتفاق الصحابة على بيعة أبي بكر في السقيفة ، ولو كان النبي صلى الله عليه و سلم نص على علي لما خالفوه ، أما دعوى الرافضة ارتداد الصحابة ، فيقول الكسروي : إن هذا اجتراء منهم على الكذب والبهتان ، فلقائل أن يقول : كيف ارتدوا و هم كانوا أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ، آمنوا به حين كذبه الآخرون ، ودافعوا عنه واحتملوا الأذى في سبيله ، ثم ناصروه في حروبه ، و لم يرغبوا عنه بأنفسهم .

ثم أي نفع لهم في خلافة أبي بكر ليرتدوا عن دينهم لأجله ؟ فأي الأمرين أسهل احتمالاً : أكذب رجل أو رجلين من ذوي الأغراض الفاسدة ؟ أو ارتداد بضع مآت من خلّص المسلمين ؟ فأجيبونا - أن كان لكم جواب ! .

وفي - الفصل الثاني – يتحدث عما اشتمل عليه التشيع من الدعاوى الكاذبة ، مثل : دعوى تفويض الأمور للأئمة ، وأنهم يعلمون الغيب ، وادعاء المعجزات لهم ، و دعوى أن الشيعة من طينة خاصة ، ويناقشها بمنطق قوي فيقول مثلاً : ومن الأحاديث المعروفة عند الشيعة ( حب على حسنة لا يضر معها سيئة ) ، و أنتم ترون أنها تخالف القرآن حيث يقول { و من يعمل مثال ذرة شراً يره} مخالفة صريحة ، ثم أليس هذا نسخاً للدين ؟ إن كان حب علي لا تضر معه سيئة فأي حاجة إذا لشرع الأحكام ؟

وفي – الفصل الثالث – ذكر ما نتج عن التشيع من الأعمال القبيحة ، و قال : مما يوجب الأسف أن التشيع فضلاً عن إضلاله الناس ، و سوقهم إلى عقائد باطلة ما أنزل الله بها م سلطان ، قد بعثهم على أعمال كثيرة منكرة ، أعمال تخالف الدين ، والعقل والتهذيب ، وتوجب مضار كثيرة من كل نوع ..

و ذكر من هذه الأعمال الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم و القدح فيهم ، يقول : ولهذه القبيحة تاريخ مؤلم طويل ، فإنه مما أصل العداء بين الفريقين .. ، و لو أراد أحد أن يبحث عن الأضرار الناجمة عن هذه البدعة المشؤومة لاحتاج إلى تأليف كتاب كبير .

ومنها التقية ، و يقول : إنها من نوع الكذب والنفاق ، و هل يحتاج الكذب والنفاق إلى البحث عن قبحهما ؟

و منها إقامة المآتم للحسين ، و ما يجري فيها من ضرب الجسد بالسلاسل ، و جرح الرأس بالسيف و صنع الجنائز ، و إقفال البدن و غير ذلك .. و يذكر أن شيخ الشيعة يروون في فضلها أحاديث كثيرة ، والحقيقة أنها بدعة في الإسلام ، و ما يروون من الأحاديث افتراء على الله ، و هذه الروايات تجرئ الناس على المعاصي ، و تصرفهم عن التقيد بالحلال والحرام ، والاهتمام بأمر الدين

ومنها عبادة القبب التي يصورها بقوله : فقد شادوا على قبر كل واحد من أئمتهم قبة من الذهب أو الفضة ، وبنوا مباني و نصبوا خداماً فيقصدها الزائرون من كل فج عميق ، فيقفون أمام الباب متواضعين ، و يستأذنون متضرعين ، ثم يدخلون فيقبلون القبر ، و يطوفون حوله ، و يبكون و يبتهلون و يسألون حاجات لهم فهل هذه إلا العبادة ؟

و يرد على جوابهم بأنهم يستشفعون بهم فيقول : إن الله لا حاجة إلى الاستشفاع عنده .. ثم إن هذا الجواب هو عين جواب المشركين في قولهم كما حكى الله عنهم { هؤلاء شفعاؤنا عند الله }

ب- جوانب تستحق الإشادة :

في الكتاب جوانب كثيرة من الجدير بالقارئ أن يمعن النظر فيها لما تدل عليه من عمق نظرة المؤلف و قوته ، و شجاعته ، نشير إلى بعضها بإيجاز :

- فمن ذلك ما يبرز في الكتاب من إيمان الرجل بالله ، و صحة تدينه ، و نظرته الصحيحة لكثير من قضايا الاعتقاد ، كتوحيد الربوبية و توحيد الألوهية ، والنبوات .. وغير ذلك و لعل هذا أثر لتعلقه بالقرآن ، ذلك التعلق الذي يتضح من كثرة استشهاده بالآيات القرآنية على ضلالات الرافضة ، ومن رده لقضية الإمامة بأنها لو كانت حقاً - بالصورة التي يعتقدونها هم – لورد في القرآن ما يدل عليها ، و ذلك لخطورتها و عظم شأنها في دين الرافضة .

بل إنه يذكر في بعض قصصه و مناظراته أنه كان يتلوا بعض سور القرآن ، و ذلك في مناظرته مع أحد الشيخين ، و هي مناظرة عميقة الدلالة في متانة دين المؤلف و قوة حجته .

و لا التفات بعد ذلك لما يرميه به الرافضة من الإلحاد ، فقد ذكر هو في الكتاب هذا أنه حينما أنكر عليهم زيارة المشاهد ، و بذل الأموال الطائلة فيها ، وصفه أحد علمائهم بأنه لا دين له .

و قد أنكر المؤلف كثيراً من الضلالات الرافضية كزيارة المشاهد و عبادة القبب والقبور ، و شد الرحال إليها والطواف حولها ، والبكاء والتضرع والتوسل بالموتى .

و أثنى على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، و أنها أثرت في طائف المسلمين كلهم غير الروافض ، فإنهم لم يكترثوا بما كان و لم يعتنوا بالكتب المنتشرة و الدلائل المذكورة أدنى اعتناء ، ولم يكن نصيب الوهابيين منهم إلا اللعن والسب كالآخرين !.

- ومن الجوانب البارزة في الكتاب بروزاً تاماً براءة المؤلف من دين الرافضة ، و إنكاره له ، ونعيه على منتحليه فهو يسميهم : الرافضة ، أو الروافض في أغلب المواضع ، حتى قال : و لكي يزيد القارئون بصيرة في أمر هؤلاء الروافض آتي هنا بخلاصة منها ( يعني من أسطورة الأسد ) .

و يقول : التشيع ليس إلا طريقاً للضلالة والعوج ! و هؤلاء ( يعني الأبواب ) ليسوا إلا ملومين ، ويستحقون الذم ! .

و يصف النواب و غيرهم من مقدمي الشيعة بأنهم كانوا ضعفاء الإيمان بالله ، و النبي و دينه ، ويستدل على ذلك باجترائهم على الله والدين ، و جعل الأكاذيب و تأويل الآيات و تحريف الأخبار و إنكار المشهودات ، و إحداث البدع و شق عصا المسلمين ، و أخذ الأموال المحرمة من الناس و تهارشهم عليها ! .

و ينكر على الأئمة المزعومين عدم مجاهرتهم بحقهم المدعي ، و يخاطب الرافضة قائلاً : إن كان إمامكم لم يقر بحقه ، و لم ينل الخلافة ، فكيف كان يتسمى بالخليفة ؟ و يدعو أناساً إلى طاعته ، صارفاً إياهم عن طاعة الخلفاء المعاصرين ؟ أم يكن هذا منه شقاً لعصا المسلمين ؟ ألم يكن هذا هدماً لأساس الدين ؟

و ينتقد الشاه إسماعيل الصفوي الذي أجرى من دماء أهل السنة أنهارا . و هذا يوضح ميل المؤلف الصريح لأهل السنة و دولتهم ، وانتقاده صرف زعماء الشيعة للناس عن طاعة خلفاء الإسلام ، و شقهم العصا ، و تفريقهم الكلمة ، و هدمهم الدين .

و يصف الرافضة بالكفر و الإلحاد ؛ لأنهم أفرطوا في إسباغ الأوصاف الخيالية على أئمتهم المزعومين و يقول : نحتاج إلى كلام طويل لنوضح ضلال هذه الطائفة عن الدين ، و توغلهم في الكفر .

و هو أخيراً يخاطب الرافضة خطاب البريء منهم ، الخارج من جملتهم ، و من ذلك قوله عن ( كريم خان ) : إنه يضرب السكة باسم إمامهم .

- و من الجوانب البارزة عناية المؤلف بالنقد العقلي لأصول الرافضة ، و بيان ما هو الحق ، و هو مبرز في هذا بشكل ظاهر ، وإليك هذه الأمثلة المتفرقة :-

- أ إن العوام لا يحسبون من الله إلا كل أمر خارق للعادة ، أو شاذ لا يقع إلا نادراً ، فترونهم يرون الأشجار قد ازدهرت في الربيع فلا يتعجبون ، ولا يحسبونه من آثار قدرة الله ، و لكن إن ازدهرت شجرة في الخريف أخذتهم الهزة ، فترونهم يحركون رؤوسهم ، و يقولون : انظر إلى قدرة الله .

ب- إنكاره أن يتبرأ النبي صلى الله عليه و سلم من علم الغيب ، و يدعيه هؤلاء !

جـ - في المناظرة البديعة التي جرت له مع رجل من علماء الشيعة ممن ينسبون إلى علي دعوى التصرف في الكون ، فقال له المناظر : أتكذّب علياً ؟ فرد المؤلف : لابد لنا من أحد أمرين : تكذيب علي ، أو تكذيب البرسي ، فاختر أيهما شئت ! .

د - ما ذا كان يفعل الإمام الغائب بالمال ، و هو معتزل عن الأمور لا يقوم بها ؟

هـ - إذا كان الأئمة المستورون حججاً لله على خلقه ، فكيف يكونون كذلك و هم مستورون لا يعرفهم الناس ؟

و - لماذا لم يظهر المهدي في بعض الفرص المواتية ، عندما استولى آل بويه على بغداد ؟ ثم عندما قام إسماعيل الصفوي ؟ ثم عندما كان كريم خان يضرب على السكة اسم صاحب الزمان ؟

ز - و في دعوى النص على الخليفة يقول : إن كنتم تحادثوننا عن الإسلام فأتوا بدليل منه ، و إن كنتم تحادثوننا عن آرائكم فصرحوا به ! .

حـ - و في الرد على دعواهم وصية النبي صلى الله عليه و سلم عند موته لعلي ، يقول : ليت شعري هل كان النبي صلى الله عليه و سلم لا هم له إلا ذكر علي ، و سوقه إلى الخلافة من بعده ؟ ثم يقول : والرزية أن يسند ذوو أهواء إلى الله و رسوله كل ما يهوون !

- و نرى ضرورة الإشارة الخاصة إلى احترامه لأصحاب النبي صلى الله عليه و سلم – على سبيل العموم – و نقده الرافضة لوقيعتهم فيهم نقداً قوياً .

- و قد تحدث في موضوع خاص ضمن الأفعال القبيحة الناتجة عن التشيع عن _ القدح في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – و ذلك في الفصل الثالث .

- و قد اعتبر المؤلف زعم الشيعة بأن أبا بكر و عمر من المنافقين من الوقاحة .

- و قال إن من فضائع الشاه إسماعيل الصفوي بعثه الناس على ثلب أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم .

- و دافع عن عمر و ما قاله ساعة موت النبي صلى الله عليه و سلم ... ، و قال : فأي ذنب أتى عمر حتى يرتد أو ينكشف كفره ونفاقه ؟

- و من جملة كلامه في هذا قوله : و أما ما قالوه عن ارتداد المسلمين بعد موت النبي صلى الله عليه و سلم إلا ثلاثة أو أربعة منهم ، فاجتراء منهم على الكذب و البهتان ، فلقائل أن يقول : كيف ارتدوا و هم كانوا أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم ؟ آمنوا به حين كذبه الآخرون ، ودافعوا عنه ، و احتملوا الأذى في سبيله ، و ناصروه في حروبه ، و لم يرغبوا عنه بأنفسهم .

ثم أي نفع كان لهم في خلافة أبي بكر ليرتدوا عن دينهم لأجله ؟ فأي الأمرين أسهل احتمالاً : أكذب رجل أو رجلين من ذوي الأغراض الفاسدة ؟ أو ارتداد بضع مآت من خلص المسلمين .

و مع هذا الموقف المشرف الذي يشاد به إلا أن للمؤلف طعنات و وخزات في بعض الأصحاب ، تأتي الإشارة إليها في الموضوع التالي .

- جـ استدراكات .. .. و ملحوظات :-

لا يخلوا الكتاب من زلات و أخطاء نابعة من عدم الوضوح العقدي لدي المؤلف في بعض الجوانب ، و هي في الغالب نتيجة لتأثره بالبيئة الرافضية من حوله ، التأثير الذي يأخذ اتجاهين :- أولهما : تقبله لبعض تصوراتهم نتيجة كثرة طرقها ، و الإلحاح عليها في مجتمعاتهم ، و مؤسساتهم العلمية ، و مناسباتهم المختلفة ، و ذلك كوقيعته في بعض رجالات الصدر الأول ، و من بعدهم . والثاني : و هو الأغلب الرفض المبالغ فيه لما عليه مدعو التشيع ، ذلك الرفض الذي يعمى في بعض الأحيان عن تمييز الحق من الباطل ، و قد يكون للأمر أصل في الشرع فزادت عليه الرافضة من جرابها ما زادت فيرفض المؤلف الأمر كله ، و هو ما يسمى بـ ( ردة الفعل ) .

كما أن غيبة بعض المصادر الصحيحة التي يمكن التلقي عنها جعلت المؤلف يعتمد على معلوماته الناقصة ، أو آرائه الخاصة .

و من هذه الملحوظات :-

- 1 لمزه لبعض الصحابة المشاركين في الحروب الدائرة بين المسلمين ، خاصة ممن كانوا في الطرف الآخر المواجه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ، و قد يفسر دوافعهم تفسيراً جاهلياً ، و ينقل بعض الروايات عن علي رضي الله عنه ، في الطعن فيهم ، و هي روايات مختلقة ، و من ذلك طعنه في طلحة والزبير و عائشة و معاوية رضي الله عنهم أجمعين .

- 2 نقده لرجالات الإسلام الذين ادعتهم الرافضة ، و تصديقهم فيما يقولون فيهم مع اعترافه بأنهم كذابون ، يختلقون ما يقولون ، ولا يتورعون عن الدس و الافتراء و التزوير .

فهو يطعن في جعفر و يروي أنه اغتر بأقوال من حوله ، و صار يحسب أن الله قد اختاره لإرشاد عباده ، و أنه حجة الله على خلقه ، و صار يدعي علم الغيب .

و يظن المؤلف أن هذه الدعاوى التي ادعاها جعفر قد ادعاها أبوه من قبل .

و قد صدق المؤلف في ذلك روايات وردت عنهم في الكافي و بحار الأنوار و غيرهما ، من أبشعها ما وضع على ألسنتهم من أنهم قالوا : اجعلوا لنا رباً نتوب إليه و قولوا فينا ما شئتم .

و قال عن موسى إنه أعاد سيرة أبيه .

- 3 و من زلاته - عفا الله عنا و عنه – إنكار نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان ، واعتبار ذلك خرافة نزل الدين لإنقاذ الناس منها ، و هذه مخالفة لما هو ثابت عند أهل السنة بالنقل المتواتر ، و لما دلت عليه آيات القرآن في ذلك ، وانظر التعليق عليها هناك .

و مثله إنكاره المهدي ، و اعتبار الأحاديث التي وردت فيه أحاديث موضوعة ، و أن الاعتقاد بذلك سرى بين المسلمين عن طريق الشيعة .

و هذا تطرف من المؤلف في رفض هاتين الحقيقتين سببه ما أضفته عليها الرافضة من التهاويل والمبالغات ، فالمؤلف في ذلك كمن ينكر الجن لما ألصقته بهم العامة من القصص المنسوجة .

ومن عادة الثائرين من أغلب الأعصار والأمصار أن يكون لديهم من الاستعجال ، و دفعة التمرد والانفعال ، ما يحول بينهم و بين التريث والتثبت والتمييز .

- 4 و منها إنكاره الاستشفاء بالقرآن الكريم ، و بالأدعية و غيرها ، و قد اعتبر استعمال هذا عصياناً لله ، و خروجاً عن أمره ، و قال : إن هذه الضلالة قد أودت من الناس مالا يحصيهم إلا الله .

- 5 و منها موقفه من قصص الأنبياء ، واعتبارها من المتشابه ، و خاصة ما يخالف منها العقول والعلوم – كما يظن هو - .

و على القارئ لهذا الكتاب أن يضع هذه الاستدراكات وأمثالها مما ند عن البال في موضعها الصحيح ، فلا يقبلها أو يطمئن إليها ، فالحق أحق أن يتبع ، و كل يؤخذ من قوله و يترك إلا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وأن يدرك الأسباب التي أدت بالمؤلف إلى مثل هذه الآراء الغريبة والتي من أهمها المجتمع الذي نشأ فيه ، والتحدي الذي واجهه ، و طبيعة تلك المرحلة من تاريخ الأمة .

بل إن المتأمل يثور عجبه و إعجابه باستمساك المؤلف بالدين ، و دعوته إلى القرآن ، و رفضه للخرافة ، مع أن كثيراً ممن نشؤوا في مجتمعات رافضية تشيع منها الخرافات والأساطير ، يؤدي بهم الأمر إلى الإلحاد الكامل والكفر بالدين كله ، و لكن الله يمن على من يشاء من عباده .

- 3 عملنا في هذا الكتاب :-

نلخص عملنا في الكتاب في النقاط الآتية :-

- أ إثبات النص كما هو دون أي تعديل سوى ما يتعلق بالآيات القرآنية ، أو تصحيح الأخطاء النحوية أو الإملائية لأنها لا تؤثر على عمل المؤلف بحال .

و قد اعتمدنا على طبعة طهران ، المطبوعة عام 1364هـ ، بمطبعة بيمان ، ومنها نسخة محفوظة في مكتبة المدرسة القادرية العامة في بغداد .

- ب عزو الآيات إلى مواضعها في المصحف الشريف ، و كتابتها صحيحة إن كان المؤلف أخطأ فيها ، و هذا قليل ، مع الإشارة إليه في الهامش .

- جـ تخريج الأحاديث ، بعزوها إلى مصادرها ، والحكم عليها .

- د نسبة الأقوال والروايات إلى مصادرها سواء كانت تاريخية ، أو من كتب الرافضة ، أو غيرها

- هـ التعليق على المواضع التي تحتاج إلى تعليق و توضيح .

- و الترجمة لما يحتاج إلى ترجمة من الأعلام .

- ز إعداد دراسة تشمل المؤلف والكتاب ، و هي هذه .

و هذا الكتاب هو الحلقة الأولى في سلسلة ( دراسات في الفرق ) التي نسأل الله أن يعين على إتمامها و يجعل القصد منها خالصاً ، إنه جواد كريم .

والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على عبده و رسوله الذي بلغ البلاغ المبين ، و على آله وصحبه و أزواجه أجمعين ..

المحققان

24/7/1408هـ

الهوامش ..

(1) أنظر : يحيى ذكاء / في مقدمته لمقالات الكسروي – بالفارسية - واسم الكتاب ( كاروند كسروي ) ، أي : مقالات الكسروي ، طهران عام 1352هـ .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله ، فهذه هي الحلقة الثانية من سلسلة حلقات التشيع والشيعة لأحمد الكسروي .

هل الاختلاف إلا من التعصب و اللجاج ؟

يظن كثيرون أن الناس قد جبلوا على اختلاف العقائد والآراء ، و لا يمكن حسم الاختلاف من بينهم ، ولكن هذا من الظنون الباطلة .

فمما لا ريب فيه أن الحقائق أوضح وأجلى من أن لا يدركها أحد(1) ، فإن ترك الناس التعصب واللجاج واجتمعوا على طلب الحقائق واتبعوا الدلائل لم يكن بينهم اختلاف في الحقائق أبداً .

و مما يجب أن يعلم أن المباحث الدينية ليست إلا كالمباحث العلمية ، أي يجب في كلتيهما لكل من يبدي رأياً أن يذكر ما عنده من الدلائل وليس إبداء رأي من غير ذكر دليل إلا من الغباوة والحماقة

و أما السامع أو القارئ فيجب عليه أن يفكر فيما يسمعه أو يقرؤه ، ولا يبدي أي رأي من القبول أو الرد إلا بعد التروي و التبين ، و من الغباوة أن يعد المخالفة لعقيدته دليلاً على بطلان رأي أو كلام ، و يتصدى للمعارضة قبل التروي أو من غير أن يكون له دليل .

و مما يوجب الأسف أن أصحاب المذاهب يعارضون كل ما رأوه مخالفاً لعقيدتهم ، و قد صار اللجاج طبيعة ثابتة فيهم ، و هذا هو الذي يوجب دوام الخلاف فيما بينهم و إلا فالحق أوضح وأجلى .

بسم الله الخالق الأكبر

1 - اعتذار

لهذا الكتاب تاريخ يجب أن نسرده للقارئين :-

منذ اثني عشر عاماً قام في إيران رجل ( و هو مؤلف هذا الكتاب ) يناضل عن الدين و يجادل الذين يزدرونه من أتباع المادية وغيرهم ، ويدافع عنه حق الدفاع ، بيد أنه سلك مسلكاً لم يسلكه الآخرون ، فإنه فسر الدين بمعنى بديع ، وقال : الدين هو معرفة العالم إلى حد ما يمكن ، و معرفة حقائق العيش ، واتباع العقل في كل الأمور .

و فسر بيانه هذا قائلاً : إن عيش الناس يمكن أن يكون على أحد وجهين :

1 - أن لا يعتني الناس بمعرفة العالم ولا بمعرفة الحقائق ويتبع - الصواب : فتتبع - كل طائفة سلسلة أخرى من الأوهام ، و يعيش الناس بأهوائهم فيطلب كل رجل ما ينفعه ولا يعتد بالآخرين فيصير – الصواب : فتصير – الحياة عراكاً فيما بينهم ، و هذه هي العيشة الحيوانية .

2 - أن يَجِدّ كل أحد في معرفة العالم ، وفي العمل بالحقائق ، و يترك الناس أهواءهم و يتبعون العقول في أفعالهم و أمورهم ، و يكونون على بصيرة من الخير والشر ، و يتجنبون عن كل ما فيه ضرر ، و يعتني كل أحد بمصالح الآخرين ، كما يعتني بمصالح نفسه ، و يكون بين الأمم صلات ، و تعتني كل أمة بمصالح الأمم الأخرى ، فهذه العيشة الإنسانية ، وهذه هي الدين(2) .

وقال : ( إن في العالم حقائق إن عرفها الناس ، و بنوا عليها حياتهم ، عمت السعادة و الرفاه العالم)

و قال : ( قد ضل أصحاب الفلسفة المادية حيث حسبوا الحياة عراكاً بين الناس ، والعالم معتركاً لهم ، فإن أبناء آدم ليسوا بمضطرين إلى العراك ، بل لهم أن يعيشوا بالمعاضدة والمعاونة بدل العراك )

و قال : ( إن الإنسان ذو فطرتين : فطرة النفس ، و فطرة الروح ، فالأولى مشتركة بينه و بين الحيوان ، والثانية خاصة بها – لعلها : به ، أي : بالإنسان ، و كذلك ما بعده : زيدت عليه – ( أي الإنسان حيوان ، قد زيدت عليها الفطرة الروحية ) ، ثم أن لكل من الفطرتين خصالاً ومستدعيات على حِدَتِها ، فمن خصال الفطرة الأولى : حب الذات ، والكبر والحسد ، والغضب و اتباع الهوى ومن خصال الثانية : العطوفة بالآخرين ، والاهتمام بمصالحهم ، و الاغتمام بغمومهم ، وحب العدل والإحسان والعمران ، و كره الظلم والإساءة والتخريب و غير هذه ) .

و قال : ( إن الفطرتين تنافس إحداهما الأخرى و تعارضها ، و هما ككفتي الميزان ، إن ارتفعت هذه نزلت هاتيك ) .

ومعنى هذا القول أن كل إنسان إن قويت فطرته الروحية غلب على فطرته النفسية و جعلتها تحت حكمها فازدادت محاسنه و صلحت أخلاقه ، وإلا انعكس الأمر ، و النتيجة المطلوبة أن كل إنسان يحتاج إلى تقوية فطرته الروحية ، و أساس هذه التقوية هي معرفة الحقائق ، و إن شئت فقل هي الدين .

و من أعماله أنه استدل على وجود الله تبارك وتعالى بدلائل علمية قوية ، وعارض الماديين معارضة شديدة ، وخلاصة أقواله أننا نرى في هذا العالم نظاماً وحكمة يمنعنا العقل أن ننسبها إلى العالم نفسه ، ولا يمكننا أن نحسب العالم مستقلاً ليس وراءه شيء .

و له في معنى الروح والعقل والاستدلال على وجود الله والرد على أصحاب الفلسفة المادية مقالات كثيرة ، و رسالات عديدة .

و لقد بحث عن الإسلام غير مرة في رسالاته و مقالاته ، و من أقواله أن الإسلام اثنان : الأول : ما أسسه النبي العربي قبل ألف و ثلاثمائة و خمسين عاماً ، و دام قروناً ، و الثاني : ما هو اليوم بين المسلمين و متلوّن عند كل طائفة بلون آخر(3) .

فكلا هذان – الصواب : هذين – يسميان إسلاماً ، والحق أن هذا غير ذاك ، بل الحق أن هذا يناقض ذاك ، فإن الإسلام الأول كان ديناً طاهراً إلهياً يدعو الناس إلى توحيد الله ، وترك عبادة الأوثان ، ويحرض الناس على التعقل والتفكر و معرفة سنة الله في خلقة ، و هذا الإسلام ( و إن شئت فقل : هذه المذاهب المشتتة ) قد بعث الناس على عبادة الموتى ، و زيارة القبب ، واتباع الأوهام ، وألهاهم عن التعقل والتفكير ، ومعرفة سنة الله .

إن الإسلام الأول ألّف بين العرب ، وصيرهم أمة واحدة ، وأبلغهم ذرى المجد و العلى ، وهذا الإسلام قد فرق الناس إلى فرق ، و أوجد بينهم العداوة والبغضاء ، وأنزلهم إلى دركات الذل والهوان .

ومن آرائه في الدين أن الناس كما يجب عليهم العلم بالله ، يجب عليهم العلم بسنته في خلقه واتباعها في أمورهم وأعمالهم ، والانصراف عن كل ما يخالف سنة الله .

و قد شرح قوله هذا شرحاً مفصلاً و كان مما قال : إن بعض الناس إذا مرضوا يستشفون بالدعاء أو القرآن ، فترونهم يكتبون الدعاء أو الآية ، و يعلقونها عليهم ، أو يقرؤون الدعاء أو الآية ، وينفخونها فيهم ، و يعدون ذلك من علائم استحكام الإيمان .

والحال أن ذلك عصيان لله ، و خروج عن أمره ، فإن الله قد جعل لكل داء دواء وقد شفاء الأمراض في المداواة ، و مما لم يكن و لن يكون شفاء مرض بالدعاء ، وكلما يروون من الحكايات في هذا الباب فمن المحعولات ، والحق أن هذه الضلالة قد أودت من الناس مالا يحصيه إلا الله (4). وأمثال ذلك كثيرة : فإن عَرَف الناس سنة الله في الأمور نجوا من هذه الابتلاءات .

و من آرائه أن النحل الشائعة تعد من الدين ، والحقيقة أنها كفر و ضلالة و لم يكن الدين إلا ليقي الناس من ضلالات كهذه .

يقول : خذ مثلاً لك المسيحيين ، فإنهم يعدون أنفسهم أصحاب الدين ، والحق أنهم أصحاب كفر و ضلالة ؛ فإن الدين إنما كان ليعلم الناس الحقائق و يصرفهم عن اتباع المزاعم والأوهام ، من نسبة الولد إلى الله ، أو الاعتقاد بقيام رجل من بين الأموات و صعوده إلى السماء ، وانتظار هبوطه إلى الدنيا مرة أخرى(5) ، فنحن نستدل على لزوم الدين واحتياج الناس إليه بوجود ضلالات كهذه ، نعم إننا نستدل بلزوم الدين ، و نجيب المزدرين به قائلين : إن الناس إن لم يكن لهم دين يهديهم ، و يجمع شملهم ضلوا وافترقوا ، واتبع كل طائفة مزاعم أخرى ، فجعلت فرقة عيسى ولد الله ، شريكاً له ، واعتقدت أخرى أمر الكون بأيدي أئمتهم الموتى و زعمت فرقة أن الله يبغض الدنيا و دعت الناس إلى تركها والتزهد عنها (6) .

ثم إنه قد أسند أقواله إلى الدلائل و هذا ديدنه في كل ما يكتب ، فللقارئ أن يتأمل ف يكل قول ودليله ، و يصير عقله حاكماً يحكم بما يراه حقاً ، و لعلماء الشيعة أن يدافعوا عن نحلهم و يردوا الدلائل إن كانوا يرونها غير سديدة .

و خلاصة القول أن المؤلف لم يرد إلا إظهار الحق ؛ فإنه يتمنى – كما قلنا – إدخال الناس في دين واحد ، و يسعى لتحقيق تلك الأمنية الجليلة من طريقين :

1 - كشف الغطاء عن المعنى الصحيح للدين ، الموافق للعلوم و العقل . 2 - إيضاح بطلان المذاهب المتفرقة التي يفرق – الصواب : تفرق – الناس بعضهم عن بعض .

و مما يجب التنبيه عليه أنه لم يرد من كلماته أو جملاته إيقاع توهين أو إبداء نقمة ، و لم يرد إلا إفهام المعنى ؛ فكلمة ( الضلالة ) مثلاً لم يرد بها إلا الخروج عن سبيل الحق ، و هكذا غيرها من الكلمات .

فمما يمكن أن يوهم التوهين كلمة ( الروافض ) والحال أن المؤلف لم يأت بها حيث أتى إلا لإفهام المعنى و بيان المقصود ؛ فإن للشيعة طوائف عديدة ، و هذه الطائفة معروفون في التاريخ بالروافض ، و قد بين المؤلف أن الكلمة أطلقها عليهم زيد بن علي الشهيد ، و ( الرفض ) في اللغة بمعنى الترك ، و ليس فيه ما يوجب التوهين ، و كيف كان فالمؤلف قد سلك في استعمالها مسلك المؤرخين .

و لنا وطيد الأمل أن يقع الكتاب موقع قبول واستحسان عند إخواننا العرب وأن ينهض منهم رجالاً ذوي الهمم – الصواب : ذوو همم – يمدون يد المساعدة إلينا .

إدارة جريدة ( برجم ) .

-----------------

الهوامش :-

(1) فالحق كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية لا يخفى ، و إنما يحصل الاغترار بالباطل بتصويره بصورة الحق ، أو خلطه بشيء منه . (2) هذه نظرة المؤلف ، وهي نظرة غير مقبولة من وجوه :

أ - فالعقل لا يمكن أن يستقل بمعرفة الحقائق كلها ، بل هو محدود مخلوق صغير ، حتى إنه لا يستقل .

ب - والعقل يوصي باتباع الشريعة المنزلة التي تنظم شؤون الإنسان الخاصة و العامة .

جـ - تفسير ( الدين ) بأنه ( اتباع العقل في كل الأمور ) غير صحيح ، بل ( العقل ) هو ابتاع الدين في كل الأمور .

د - العناية بمصالح الأمم الأخرى ، ماذا تعني ؟ إن الإسلام يقرر – بوضوح – عقيدة الولاء و البراء وهي حاجز منيع بين المسلمين ، و بين ( الأمم الأخرى ) حتى يؤمنوا بالله وحده .

ولعل هذا ( الرأي الباطل ) من الكسروي مصدره ( واقع الروافض و ذهبهم ) فهو عبارة عن رد فعل لمذهبهم القائم في غالب مسائله على أمور يحيلها العقل ، حتى عقد شيخهم الكليني باباً بعنوان ( باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب ) و ذكر منه خمس روايات [ أصول الكافي :1/ 401-402 ] ، و مثله – من بعده – فعل المجلسي حيث ذكر ( 116 ) حديثاً من أحاديثهم في باب عقد بعنوان ( باب أن حديثهم – عليهم السلام – صعب مستصعب ) [بحار الأنوار : 2/ 182 و ما بعدها ] ، و جاء في هذه الأخبار ( إن حديثنا تشمئز منه القلوب فمن عرف فزيدوهم و من أنكر فذروهم ) [ بحار الأنوار : 2/211-212 ] .

كما يلزمون بالخضوع والتسليم الأعمى لمجتهديهم وآياتهم حتى عدّ شيخهم المظفر من عقائدهم أن الراد على المجتهد رادّ على الله و هو على حد الشرك بالله تعالى . [ أنظر عقائد الإمامة ص ] .

ولا بد أن يرتبط الشيعي بمجتهد يسير وفق قوله ، حتى إنه في العراق ظل أتباع أحد مراجعهم صائمين بعد إفطار الناس ؛ لأن المرجع مريض ولم يستطع الفتوى لهم بالإفطار . [ أنظر نقاش مع الخالص ] .

(3) الإسلام واحد ، و هو ما أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمائة سنة ، وأما ما يخالف ذلك مما وقع فيه الناس ، أو انتشر بين الطوائف فلا يسمى إسلاماً ، ولو كان الذين يفعلونه من المسلمين .

(4) إن ما يقرره المؤلف هاهنا يتعارض مع المنهج الشرعي الاتباعي ، فالقرآن شفاء من كل وجه ، قال تعالى {و ننزل من القرآن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين }[الإسراء/82] قال ابن القيم رحمه الله : والصحيح أن ( من ) هاهنا لبيان الجنس ، لا للتبعيض ، فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدينة ، و أدواء الدنيا والآخرة ، و ما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به ) زاد المعاد 4/352 . و المنتفع بالقرآن هم المؤمنون و لذلك خصوا بالذكر – أنظر شرح الطحاوية ص 10 ط شاكر – قراءة الفاتحة على اللديغ كما في قصة أبي سعيد و أصحابه ، التي رواها الشيخان في صحيحيهما ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أتى مريضاً أو أتي به قال : ( أذهب الباس ، رب الناس ، اشف وأنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً ) متفق عليه . وكان صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات ، وينفث ، فلما اشتد وجعه كانت عائشة تقرأ عليه و تمسح بيده رجاء بركتها ، كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها ، و قد روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الرقية من كل ذي حمة ( وهي السم ) متفق عليه . و قد أمرها أن تسترقي من العين ، متفق عليه ، وانظر أحاديث أخرى في ذلك في : اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ( 3 / 6359 ) . ومن المعلوم أن هذه الوسيلة لا تنافي اتخاذ الوسائل الأخرى الطبية التي يكتشفها البشر .

(5) يدين المسلمون بأن الله رفع عيسى عليه السلام إليه حياً لم يقتل و لم يصلب ، كما نص عليه القرآن ، و يؤمنون بنزوله إلى الأرض في آخر الزمان ، و قد تواترت الأحاديث بذلك . أنظر : ابن كثير ( 1/578-584 ) .

(6) الزهد في فضول المباحات مشروع ، ولا يعني الزهد الإعراض عن الدنيا وتركها بأيدي الضالين والمنحرفين ، بل الزهد أن تكون الدنيا في يدك لا في قلبك ، و لذلك قال مالك بن دينار : ( ليس الزاهد مالك بن دينار الذي أعرضت عنه الدنيا ، فأعرض عنها ، بل الزاهد عمر بن عبد العزيز ، الذي أقبلت عليه الدنيا ، فأعرض عنها ) ، الحلية لأبي نعيم 5 /257 .